موقع التحكيم ضمن نزاعات الشغل – دراسة مقارنة –
مقدمة
تعتبر مقولة “تسوية سيئة أفضل بكثير من محاكمة جيدة ” إحدى المختصرات التي تعبر عن المكانة التي أصبحت تكتسيها الوسائل السلمية لتسوية المنازعات كونها تشكل آليات قانونية لحسم النزاعات بشكل متميز عما تقتضيه المساطر القضائية التقليدية وتضمن تلافي ما يروجه عادة للجهاز القضائي من انتقادات بخصوص تعقيد المساطر، والبطء في البت في القضايا، خاصة بعد إتساع رقعة قاعدة عدم جواز إقتضاء الشخص حقه بنفسه كما كان عليه الحال في المجتمعات البدائية.
و على اعتبار أن رفض المستثمرين الأجانب الاستثمار أموالهم في دولة ما مرده الخوف من عدم وجود قضاء عادل يكون محل ثقة،إذ اصبح الحكيم من أهم الوسائل البديلة عن القضاء العام، إذ يتميز التحكيم بمرونته فهو يسمح للمتنازعين بتشكيله على النحو المناسب لهم ويمكن الأطراف من إختيار المحكمين الذين يتولوا عملية التحكيم بأنفسهم ،كما أن المحكم لديه قدر كبير من المرونة ومساحة معقولة من الحرية في الوصول للحكم العادل.
ولكون نزاعات الشغل هي نزاعات متأتية في إطار الحركة الاستثمارية فقد عمدت مدونة الشغل إعتماد التحكيم كالية لحل نزاعات الشغل إلا أنها حصرت ذلك في نزاعات الشغل الجماعية فقط،ولذلك على اعتبار أن هذا النوع من النزاعات لها تأثير سلبي على المستوى السوسيو اقتصادي، وقد كانت آلية التحكيم كوسيلة لحل النزاعات الجماعية ذات موقع ضمن المنظومة القانونية حتى قبل صدور مدونة الشغل إذ كانت منظمة بمقتضى ظهير 9 يناير 1946 المتعلق بإحداث هيئات المصالحة والتحكيم.
غير أن مقتضيات هذا الظهير لم تكن مواكبة للتطور الحاصل على مستوى قوى الإنتاج والتحولات الاقتصادية التي عرفها المغرب، إضافة إلى عدم فعاليته في حل الخلافات الجماعية، وعلى الرغم من ذلك ظلت مقتضياته سارية المفعول لسنوات عدة نظريا، أما من الناحية العملية فقد تبلورت مجموعة من الممارسات التي كرست إعمال التسوية الودية للنزاعات الجماعية بمنأى عن مقتضيات الظهير المذكور، حيث كان يتم اللجوء إلى مفتش الشغل او السلطات العامة، أو القضاء بعد تفكيك النزاع، ونظرا لهذا الواقع عمد المشرع إلى إعادة تنظيم مسطرة التحكيم في نزاعات الشعل الجماعية من أجل تفعيل هذه الوسيلة وجعلها تتماشى مع خصوصيات النزاعات المذكورة.
إلا أنه كما أشرت فالمشرع المغربي من خلال مدونة الشغل إقتصر على تنظيم هذه الآلية كوسيلة لحل نزاعات الشغل الجماعية الشيء الذي يطرح مدى إمكانية اللجوء إلى التحكيم الإختياري المنظم بمقتضى المسطرة المدنية.
وبشكل عام فقد اضحة التحكيم الوسيلة الأكثر شيوعا بالنسبة لفض النزاعات التي تنشأ بين الأشخاص لما يوفره من ضمانات في ظل العولمة، وفي ظل حرية التجارة وإتفاقية التبادل الحر، الشيئ الذي كان معه من المناسب إعادة النظر في المنظومة القانونية للتحكيم بالمغرب، وإعطاءه مكانة خاصة تصمن لمختلف الفاعلين الاقتصادين الحصول على العدالة في ظروف يطمئن إليها الأطراف سواء من حيث تبسيط المساطر أو ضمان السرية، فضلا عن إمكانية اختيار المحكم الكفء والمؤهل لحل النزاعات والحصول على عدالة ترتكز على قواعد مرنة وعلى مبادئ الإنصاف مع مراعات العادات والأعراف…….
كما إنطلق الباحث من إشكالية مفادها، غياب مرجعية قانونية واضحة خاصة بالتحكيم في نزعات الشغل الفردية بخلاف الأمر بالنسبة لنعات الشغل الجماعية التي جعل المشرع المغربي التحكيم وسيلة لتسويتها.
إذ التسائل الذي يثير نفسه وبإلحاح أمام غياب التنظيم التشريعي في نزاعات الشغل الفردية هو مدى تمكن المشرع من خلال المسطرة المدنية ومن خلال مدونة الشغل إيجاد اليات للتحكيم تسعفنا في التسليم بوجود اليات كافية لفض النزاعات فردية كانت أو جماعية كفيلة بتحقيق السلم الاجتماعي، وتغنينا عن اللجوء الى قضاء أصبح اليوم ضمن واقع يعرف بما سمي بالأزمة القضائية.
فهذه الاشكالية جعلت الباحث يتبنى البحث في نطاق ينطوي على تحديد موقع التحكيم ضمن نزاعات الشغل، كماقربة قاونية قضائية وفقهية، مرتكزة على تفكيك الية التحكيم من حيث المفهوم، ومن الجانب القانوني، ووعلى تحديد الضمانات القانونية لإعمالها، وضبط قيمتها القانونية من خلال الواقع العملي، وذلك لأسباب…..
وللإجابة على هذه الإشكالية تحتم على الباحث اتباع المنهجية التالية:
الباب الأول: القواعد الموضوعية للتحكيم كبديل لحل نزاعات الشغل.
الباب الثاني: خصوصيات الإجراءات المسطرية للتحكيم في نزاعات الشغل.
موقع التحكيم ضمن نزاعات الشغل