ePrivacy and GPDR Cookie Consent by Cookie Consent Update cookies preferences
رسائل

مناقشة رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، في موضوع: “السلطة التقديرية للقاضي المدني في تطويع الالتزام العقدي”.

أعدها الطالب هشام حمي

يوم الخميس 16 فبراير 2023، تمت مناقشة رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، ماستر الدراسات القانونية المدنية، أعدها الطالب هشام حمي، في موضوع:
“السلطة التقديرية للقاضي المدني في تطويع الالتزام العقدي”.
وقد تكونت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة:
– الدكتورة امينة ايت حسين مشرفة ورئيسة
– الدكتور عبد الهادي نجار عضوا
– الدكتور سليمان المقداد عضوا
 وبعد المداولة تم قبول الرسالة ومنحت للطالب الباحث نقطة 20/18 .

 


المقدمة

      إن اتفاق الفقه على تعريف العقد منذ زمن بعيد، على أنه توافق ارادتين أو أكثر على احداث أثر قانوني ، وإن كان له صيت كبير في المراحل الأولى لظهوره، خصوصا بوجود مساندين ومؤيدين له من قبيل المذهب الفردي الحر الذي يقدس الحرية إلى درجة الإيمان بالآثار المترتبة عنها؛ ومن تمت إيمانهم بقاعدة ” العقد شريعة المتعاقدين “، التي تجعل للعقد قوة ملزمة صارمة ومنطقية؛ صارمة بكون أن كل من التزم بشيء لزمه ووجب أن ينفذ ما تم التعاقد عليه مهما كانت الأحوال لدواعي يقررها القانون من جهة ، والقرآن الكريم والأحاديث النبوية من جهة أخرى، ومنطقية بدعوى أن المنطق يفترض الوفاء بالعقود تطبيقا لمبادئ وقواعد حسن النية.
   بيد أن المفهوم والمضمون الظاهر لتعريف العقد أو الالتزام العقدي، يتضح منه أن واضعوه أخذوا في الحسبان قوة العقد المنبثقة من الإرادة في أحواله العادية معتمدين في ذلك على معيار الاستقرار والثبات، فلم ينظروا إليه من منظور إمكانية تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية المحيطة به، لذلك طرحت فكرة ضرورة خلق قاعدة ملاءمة العقد مع الظروف الاستثنائية غير المتوقعة؛ عبر التدخل القضائي في العقد لأجل مراجعته limprévitionأو إن صح التعبير لأجل التطويع adaptation والذي يعني الملاءمة.
   إن فكرة ملاءمة العقد مع الظروف التي تحيط به وقت التنفيذ بكونها ليست نفسها هي ظروف الابرام؛ هي قديمة جدا، إذ أن المتأمل في النصوص الشرعية سيجد لها حالا فيها، فالفقه الإسلامي مثلا قد اعترف بنظام الجوائح الذي يعتبر عامل من عوامل تقلب اقتصاد العقد. وما يزكي ذلك هو بعض الآيات من الذكر الحكيم التي تجسد فعلا هذه المسألة، يقول تعالى في محكم كتابه “يا أيها الدين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ” . وأحاديث من السنة النبوية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” لو بعت من أخيك ثمرا، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق ” .
ومع بداية القرن الثامن عشر عرضت نوازل على أنظار القضاء الفرنسي بشأن عامل تغير الظروف في بعض العقود، وبعد الحرب العالمية الأولى تهاطلت على المحاكم الفرنسية مجموعة من القضايا نظرا للإرهاق الشديد الذي يعانيه أحد أطراف العلاقة التعاقدية، وقد كان ذلك فأل خير على المدين أو الدائن المرهق، إذ أن الاجتهاد القضائي كرس أحكاما لصالح الطرف المرهق، ما جعل معظم التشريعات تتبنى بهذا الخصوص نظرية الظروف الطارئة، التي أصبحت تعد القلب النابض للعقد في حالة اختلال توازنه بفعل بعض الحوادث الاستثنائية غير المتوقعة، وآخر تشريع أخذ بهذا التوجه المشرع الفرنسي في المادة 1195 من التقنين المدني الفرنسي بعد تعديل 2016 . وإن كان المشرع المغربي لم ينص لا في ظهير الالتزامات والعقود لا في نصوص خاصة على ذلك.
   ومن تمت أصبح القاضي يتدخل بفضل هذه المقتضيات لمراجعة العقود التي اختل توازنها بسبب تغير الظروف وإعادة النظر فيها، غير أن هذا التدخل خلق جدلا وسجالا كبيرين بين مناصري هذا التوجه وأنصار المذهب الفردي الحر، الذين يقدسون سلطان الإرادة وقوته الملزمة، ويعتبرون هذه المكنة خرق صارخ للعقد شريعة المتعاقدين.

1- العقد شريعة المتعاقدين

أو القوة الملزمة للعقد هو مبدأ عالمي La force obligatoire est un principe unibersel ، هـي الـتي تمنـع أن ينفـرد أحـد الأطـراف بتعـديل العقـد، وتفـرض أن يكـون هـذا التعـديل بـالإرادة المشـتركة للمتعاقـدين. أي أن العقـد ملـزم لأطرافـه، فكـل ما اتفق بشأنه من شروط أو بنود بصفة صحيحة تأخذ مكانة القانون من حيث القـوة، ومـن ثم ُتصبح واجبة التنفيذ .
يستفاد من ذلك، أن فكرة الالتزامات العقديـة نابعـة أساسـا مـن التصـور الإرادي للعقد، الذي يفرض وجوب احترام وتنفيذ ما اتفق عليه بمحض تلك الإرادات الحرة، دون حاجة لأي إجـراء أو شـكل بفرضـه القـانون، وهـذا عكـس مـا كـان سـائدا في القـانون الرومـاني، حيـث كانـت الإرادة لا تنتج أثرها إلا بعد إفراغها في شكل معين .
وعلـى هـذا الأسـاس فـإن القـوة الملزمـة للعقـد مـن حيـث الأشـخاص لا تنحصـر بـين طـرفي العلاقة العقدية فحسب، بل تمتد إلى خلفهما من جهة، وإلى الغير من جهة أخرى.

2- تغير الظروف:

تغير الظروف أوchangement de circonstance ؛ أو الظرف الطارئ، إذ يعرف بأنه الحادث العام النادر الوقوع كزلزال أو حرب أو وباء أو ارتفاع باهظ في الأسعار أو نزول فاحش فيها فيما يطرأ على العقد فيما بين إبرامه وتنفيذه وألا يكون بالإمكان توقعه أو التحرز منه .
ومؤدى هذه النظرية أن تعرض بعد إبرام العقد وقبل تمام نفاذ نوازل أو أحدث عامة لم تكن في الحسبان ولم يكن في الوسع وقعها أو دفعها، ويكون من شأنها أن يصبح تنفيذ الالتزام شديد الإرهاق بالمدين، بحيث يهدده بخسارة فادحة، فيسوغ للقاضي بناء على طلب هذا المدين، وبعد الموازنة بين مصلحته ومصلحة غريمه، أن يرد التزامه إلى الحد المعقول الذي يرفع عنه الحرج البالغ والارهاق الشديد .

3- أهمية الموضوع:

تثبت لموضوع السلطة التقديرية للقاضي المدني في تطويع العقد أهمية مزدوجة، إحداها علمية، والأخرى عملية:

– الأهمية العلمية:

إن الجانب العلمي، لموضوع السلطة التقديرية للقاضي المدني في تطويع الالتزام العقدي، يكمن في طرحه لنقاشات مهمة في إطار النظرية العامة للالتزامات والعقود. إذ أن تدخل القاضي لأجل هذه الغاية تعد استثناء عن القوة الملزمة للعقد، التي يكرسها الفصل 230 من ظهير الالتزامات والعقود الذي يعطي لمبدأ سلطان الإرادة قدسية من نوع خاص، تحت لواء ” من التزم بشيء لزمه ” و ” من قال عقدا قال عدلا “.
غير أنه بفعل ظهور بعض التحولات الاقتصادية خصوصا التي تؤثر على استقرار اقتصاديات العقد ونظامها الاقتصادي، أدت إلى التشكيك في القواعد التي تؤطر هذا المبدأ الغابر والممتد في الزمن، ما أدى إلى البحث عن حل للاتوازنات والاختلالات التي يعاني منها العقد خاصة في الظروف الاستثنائية غير المتوقعة، ما أدى حتما بالفقه إلى التفكير عن حل مجدي وفعال لمعالجة هذه الصعوبات التي يعاني منها الالتزام العقدي، فوجد هؤلاء ضالتهم في القاضي من خلال شرعنة تدخله ونفاذه للعقد أولا، تم تدخله بموجب نظرية الظروف الطارئة، التي تعطي لهذا الأخير التدخل لتعديل أو إن صح القول لتطويع العلاقة العقدية، ونظرا للنتائج المحمودة التي ترتبت على تطبيق هذه النظرية فقد أثارت انتباه معظم التشريعات ما أدى إلى تبنيها من لدن معظمها وآخر المتبنين لها، التقنين المدني الفرنسي بموجب تعديل 2016 في المادة 1195 من، وإن كان يؤمن بها قضاء منذ زمن بعيد.

– الأهمية العملية:

ولعل الجانب العملي، لهذه الفكرة لا يقل أهمية عن الأولى، فمن مطلق أن العقود تشمل تقريبا جميع الأنشطة التي تحيط بفعل الإنسان، فالإنسان كائن مستهلك، مسافر، عامل ونشيط… وبالتالي فكل هذه الأنشطة تفرض عليه تعاقدات معينة. ومنه فتغير الظروف قد تقع بمثابة حجر عثرة أمام تنفيذها احتراما للعهد والاتفاق خصوصا في الأحوال التي يكون فيها الالتزام مرهقا إلى درجة فادحة.
وبالتالي فتطويع العقد في ظل هذه الظروف من قبل القاضي لا شك أنها ستؤدي إلى استقرار العقود والمعاملات خصوصا الزمنية منها والملزمة لجانبين من جهة، ومن جهة أخرى تحقيق أو إن صح القول إرجاع التوازن العقدي المختل للعقد وتحقيق العدالة التعاقدية التي بني عليها أساسا العقد مادام أنه “من قال عقدا قال عدلا”.

4- دوافع اختيار الموضوع:

إن وقوع الاختيار على “موضوع السلطة التقديرية للقاضي المدني في تطويع العقد“، لم يأتي من فراغ أو من العبث، فقد تم اختياره نظرا لراهنيته العملية على مستوى استقرار العقود، خصوصا في السنوات الأخيرة بعد مرور العالم بأزمة صحية (Covid-19) خانقة أوقفت نبض معظم العقود وجعلتها تتعرض للسكتة القلبية في حالات ولنوبات عصبية في حالات أخرى، خصوصا في مملكتنا المغربية التي لم يتبنا مشرعنا المغربي نظرية لمواجهة الظروف الاستثنائية التي لم تكن متوقعة في يوم من الأيام، كما يمكن القول أنه أول اختبار حقيقي لدور القاضي في العقود لأجل تنفيذها. كما أن دافعنا في اختيار هذا الموضوع يتجلى في الانفتاح على بعض التشريعات المقارنة الاخرى خصوصا التشريع الفرنسي منها لأجل الهمس في أذن المشرع لتبني نظرية الظروف الطارئة بشكل صريح وواضح، وكذا الانفتاح على العمل والاجتهاد القضائي في هذا الصدد سواء ما تعلق بالقضاء المغربي أو القضاء الأجنبي.

5- صعوبات الموضوع:

لعل مكمن الصعوبة التي واجهتني، في إعداد هذا الموضوع الموسوم ب: سلطة القاضي في تطويع العقد، هو عدم وجود دراسات دقيقة وواضحة تتطرق بتفصيل للموضوع من الزاوية التي اخترتها. فصحيح أن هناك دراسات كثيرة جدا في نظرية الظروف الطارئة لكن بالضبط مركز القاضي فيها قليلة والدليل هو قلة المراجع التي تحتوي هذا الموضوع.

6- إشكالات الموضوع:

يثير موضوع سلطة القاضي في تطويع العقد، إشكالا جوهريا والذي تنبثق عنه إشكالات فرعية أخرى.

– الإشكال الجوهري:

إن الثابت منذ مدة، أن مبدأ العقد شريعة المتعاقدين هو المبدأ الذي كان ساريا على العقود باعتباره لواء العدالة والتوازن المفترض لمصالح المتعاقدين، غير أنه بفعل ظهور بعض الظروف الاستثنائية التي تجعل هذه الالتزامات مرهقة لأحد أطراف العلاقة التعاقدية كان لزاما التفكير في حل آخر، والذي وجد في مؤسسة القاضي كطرف ثالث في العقد معلقا عليه كل آماله لإعادة التوازن العقدي لمختل.
– إذن: فأي دور وفعالية لسلطة القاضي المدني في تطويع العقد، بشكل يؤدي إلى تحقيق التوازن العقدي؟

– الإشكالات الفرعية:

بالإضافة إلى الإشكال الجوهري الذي حددناه سالفا، فإنه يتفرع عنه مجموعة من الإشكالات الفرعية الأخرى التي ترتبط وجودا وعدما بسلطان الإرادة والقوة الملزمة للعقد بالأساس، إذ بموجب هذه السلطة تم التشكيك في استقلالية وثبات هذه المبادئ. خصوصا أن المشرع نص في الفصل 230 من ظهير الالتزامات والعقود ” الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون”.

ويمكن التعبير عن هذه الإشكالات كالاتي:

– أي تأثير لتدخل القاضي على القوة الملزمة للعقد، وللعقد شريعة المتعاقدين؟
– أي دور للقاضي المدني في إحلال قوة ملزمة جديدة للعقد الذي تم تطويعه؟
– ألا يمكن اعتبار أن القاضي لما يطوع العقد فإنه ينشئ التزاما قضائيا تكون له قوة الالتزام العادي؟
– ألا يمكن القول أن تطويع العقد هو انتصار لقواعد حسن النية والانصاف على حساب القوة لملزمة للعقد كما نص على ذلك المشرع في الفصل 231 من ظهير الالتزامات والعقود” كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية. وهو لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب، بل أيضا بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون أو العرف أو الإنصاف وفقا لما تقتضيه طبيعته”.
– وما نطاق وحدود رقابة محكمة النقض على سلطة القاضي في تطويع العقد؟

7- منهج البحث المعتمد:

نظرا للأهمية للقصوى لموضوع سلطة القاضي في تطويع العقد، ودوره في مواجهة مشكل تغير الظروف، الذي هو من المواضيع القديمة الحديثة؛ قديمة من حيث نشأتها إذ ارتبط ظهوره بسلطان الإرادة والقوة الملزمة للعقد، وحديثة من حيث وضعه كتشريع وكنص قانوني كما هو الحال بالنسبة للتشريع الفرنسي بخصوصيات جديدة. ومن تمت تتضح أهمية المنهج التاريخي في دراستنا من خلال ربط الماضي بالحاضر، والتعرض لمجموع المبادئ التي ترعرع معها والعلاقة التاريخية التي تربطهما، كما إن هذه الدراسة لن تنال اهتماما بالغا إذا لم نرصد التغير التاريخي لنظرية الظروف الطارئة والتطور الذي شهدته بين الامس واليوم. كما أنه سنعمد إلى تبني منهاجا استنباطيا سينقلنا من الاحكام الكلية إلى الجزئية، ولأجل استقصاء وجهات نظر التشريعات الأخرى كان مهما التوسل بالمنهاج المقارن سواء الداخلي من خلال المقارنة الداخلية في التشريع المغربي بين الامي واليوم، أو الداخلي لأجل مقارنتها بالتشريعات الأخرى. دون أن ننسى المنهاج التحليلي الذي يرافقنا على طول تحليل أطوار هذه الرسالة.

8- إعلان التصميم:

إن الإلمام بموضوع السلطة التقديرية للقاضي المدني في تطويع العقد، بكل تمظهراته وتمفصلاته، ولقياس مدى نجاعتها في ظل تقلب ظروف التعاقد، وجب البحث بداية عن أصوله وفصوله وأحكامه العامة، تم السعي إلى استجلاء العلاقات القائمة بينه وبين مؤسسات أخرى التي تجعله يتحرك، لذلك نهتدي إلى التصميم الاتي:

– الفصل الأول: الأحكام العامة للسلطة التقديرية للقاضي المدني في تطويع العقد

– الفصل الثاني: الآثار المترتبة على التطويع القضائي للعقد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى