ePrivacy and GPDR Cookie Consent by Cookie Consent Update cookies preferences
رسائل
أخر الأخبار

دور المحاكم المالية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب

إعداد الطالبة/ مريم بداه

دور المحاكم المالية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب

مقدمة عامة:

تطلع الدولة في النظام العالمي المعاصر بوظائف اجتماعية واقتصادية وسياسية لقيادة المجتمع قيادة رشيدة، وتنظيمية تنظيما فعالا في حكم رشيد عادل ومنصف، ويعتبر المال العام، الوعاء الأساسي الذي من خلاله تقوم الدول بمختلف هذه الوظائف وتجسيدها على أرض الواقع، من خلال سياساتها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.

ولحماية المال العام، عملت جل الدول من خلال دساتيرها وتشريعاتها الداخلية  بما فيها المغرب إلى إقرار جملة من النظم والآليات الرقابية بغرض حماية هذا المال والسهر على إنفاقه وتخصيصه وفقا للبرامج المحددة له.

وتشكل الرقابة العليا على الأموال العمومية في كل المجتمعات الديمقراطية أحد الركائز الأساسية التي يقوم عليها صرح الحكامة الجيدة في كل تجلياته المالية والاقتصادية والاجتماعية وحتى القضائية.

من هنا، يظهر الدور المهم الذي تلعبه المحاكم المالية في حماية المال العام، في ظل التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع المغربي، إذ إن إشكالية الرقابة بمختلف تلويناتها تعد الإشكالية المحورية في مختلف النقاشات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وبدون الخوض في النقاش الفقهي والقانوني حول الطبيعة القانونية للمحاكم المالية، يمكن القول بأن المجلس الأعلى للحسابات يعتبر حسب المشرع المغربي الهيئة العليا للرقابة على المال العام على المستوي المركزي، بينما تتولى المجالس الجهوية الرقابة على المستوى المحلي.

وقد عرفت الرقابة على المال العام في المغرب تطورا تدريجيا سواء بالنسبة للأجهزة المكلفة بها، أو بالنسبة لطبيعة الصلاحيات المسندة لها على مستوى مختلف مجالات تدخلها.

ذات صلة:دور أقسام الجرائم المالية في حماية المال العام بالمغرب

وقد توفر المغرب منذ القدم على أجهزة مختلفة لمراقبة الأموال العمومية، فبالإضافة إلى وجود الحسبة وولاية المظالم اللتين ظلتا تستمدان أحكامهما من الشريعة الإسلامية، فقد تحكم الأمناء إلى حد كبير في مراقبة الأموال العمومية، غير أن هذه الفترة السابقة على القرن التاسع عشر قد تميزت بالتدبير المالي البسيط والتقليدي.

وقد قام السلطان الحسن الأول بإصلاح حول بموجبه أمين الأمناء إلى وزير المالية، وجعله أول مسؤول عن بيت المال ومصاريف الموظفين، ومكلف بتقديم لائحة إلى أمين السر الذي يقوم بالصرف.

ثم في عهد الحماية الفرنسية وفي إطار التغييرات التي أحدثتها سلطات الحماية للنظام الإداري المغربي، تم إلغاء مؤسسة الأمناء و تعويضها بتقنيات المراقبة العصرية بشكلها المعروف آنذاك في فرنسا، ذلك من خلال تبني فكرة الميزانية العامة وإحداث خزينة عمومية، حيث تم ابتداء من سنة 1912 إحداث المديرية العامة للمالية، كما تم إحداث مراقبة الالتزام بنفقات الدولة كمراقبة سابقة لمواجهة بعض الخروقات المالية التي بدأت في الظهور، وعمدت السلطات الفرنسية إلى ربط هذه الآليات بمركز القرار في فرنسا عندما أخضعت جميع المعاملات والحسابات المالية المغربية الرقابة محكمة الحسابات الفرنسية.

أما بعد استقلال المغرب من الاستعمار الفرنسي فقد حاول تكييف وتعديل بعض النصوص القانونية المتعلقة بالنظام الرقابي على الأموال العمومية، بحيث تم إحداث اللجنة الوطنية للحسابات بموجب ظهير 14 أبريل 1960 عوض اللجنة المحلية للحسابات.

لكن هذه اللجنة لم تستطع القيام بالمهام المنوطة بها، وذلك راجع لمجموعة من العوامل منها ما هو تشريعي وتنظيمي وبشري ومالي، ذلك أن اختصاصاتها ظلت محدودة في غياب استقلال عضوي ووظيفي ومالي،بالإضافة إلى غياب أطر كفء ومؤهلة، فضلا عن تبعيتها إداريا وماليا لوزارة المالية.

في هذا السياق، تم إنشاء المجلس الأعلى للحسابات بمقتضى قانون رقم 412.79 الصادر بتاريخ 14 شتنبر 1979، باعتباره الهيئة العليا المكلفة برقابة الأموال العمومية في المغرب، حيث عهد إليها بالنظر في حسابات المحاسبيين العموميين، وممارسة اختصاصات قضائية في مجال التأديب المتعلق بالميزانية و الشؤون المالية، ثم تقويم تسيير الأجهزة الخاضعة لها.

وتجدر الإشارة إلى أن غياب التنصيص الدستوري على هذه المؤسسة طيلة الفترة الممتدة من إنشاء المجلس إلى غاية المراجعة الدستورية لسنة 1996، التي كانت خطوة في اتجاه اصلاح منظومة الرقابة المالية، عبر الارتقاء بالمجلس إلى مصاف المؤسسة الدستورية، وكذا التنصيص على إحداث مجالس جهوية للحسابات تمارس مهامها على المستوى المحلي، من أجل تخفيف العبء على المجلس الأعلى للحسابات في ظل موارده
البشرية المحدودة واتساع نطاق مراقبة الجماعات الترابية، في إطار تدعيم سياسة الامركزية تدبير الشأن العام وفق حكامة جيدة ورشيدة وهذا ما تم تأكيده في دستور سنة 2011.

وقد حدد القانون رقم 62.99 الصادر سنة 2002 نطاق عمل المحاكم المالية بالمغرب، والضمانات المخولة لقضاتها والإجراءات المسطرية المعتمدة في ممارسة هذا التخصص، والذي اعتبر مدخلا لإصلاح القانون الأصلي رقم 12.79 المنظم سابقا للمجلس الأعلى للحسابات، مضيفا بذلك المجالس الجهوية للحسابات، وادماج محتوياته المقتضيات الخاصة بالنظام الأساسي لقضاة المحاكم المالية التي كانت موضوع القانون رقم 28.80 وقد أنيطت بالمحاكم المالية بالمغرب، سواء المجلس الأعلى للحسابات أو المجالس الجهوية للحسابات اختصاصات قضائية وأخرى إدارية، في إطار السعي إلى ضمان مشاركتهم بفعالية في عقلنة التدبير العمومي، والرفع بدورهم بالشكل المطلوب لصيانة المال العام.

وإلى جانب اختصاص البت والتدقيق في حسابات المحاسبين العموميين يعتبر اختصاص الرقابة القضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، المهمة الثانية للمحاكم المالية، كمحاكم بكل ما يستلزم ذلك من ضمانات لحقوق الدفاع والاستماع لأي شخص، يمكن أن تثار مسؤوليته بحضور محاميه أثناء المحاكمة فضلا عن إمكانية استدعاء الشهود.

ذات صلة:واقع التنفيذ الزجري للعقوبات المالية الاشكالات والبدائل المقترحة

إن هذه المهمة القضائية وهذا الدور الرقابي الذي يقوم به كل من المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات، هو ما نحن معنيون بدراسته و عرضه في هذه الرسالة.

ويمكن القول، بأن أهمية هذا الموضوع تظهر من خلال خصوصية تجربة المحاكم المالية المغربية، بحيث تمارس اختصاصا مزدوجا، يتجلى في توليها لممارسة الرقابة القضائية على المحاسبين العموميين والأمرين بالصرف في آن واحد، ضمن اختصاصين البت والتدقيق في الحسابات والتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، على
عكس التجارب المقارنة الأخرى كتونس وفرنسا، بحيث أن هذا الاختصاص تتولاه محكمة التأديب المالية التي تتميز بالاستقلالية.

بالإضافة إلى الدور المهم الذي تلعبه المحاكم المالية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية على عمل الموظف أو مسؤول أو عون بأحد الأجهزة التي تجري عليها رقابة المجلس، نجد امكانية التعرف على المبادئ والقواعد والمفاهيم التنظيمية والتسييرية والوظيفية والقانونية والمسطرية لهذا الاختصاص، الذي يهدف إلى الحفاظ على المال العمومي من خلال كشف الإخلال بالقواعد والقوانين والأنظمة المؤطرة لتحصيل وإنفاق
الأموال العمومية من طرف المدبرين العمومين أيا كان صنفهم.

ويندرج اختيار موضوع الدراسة في إطار محاولة المساهمة في النقاش الدائر حاليا، حول سبل حماية المال العام في ظل التحولات العميقة لبنية الدولة والمجتمع.

فدراسة موضوع التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، يندرج في سياق عام يهدف إلى بناء شروط سياسية لتحول ديمقراطي، وذلك عبر مستويين اثنين، بحيث يتعلق المستوى الأول في أهمية المجلس في إدماج مبادئ المسؤولية والمحاسبة والمساءلة في الثقافة السياسية للنخب المسؤولة عن تسير الشأن العام، ويتعلق المستوى الثاني بممكنات مساهمة هذه المؤسسات الدستورية في تحسين مردودية التدبير المالي العمومي عبر التطبيق الفعلي لمسطرة التأديب المالي…..

دور المحاكم المالية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالمغرب

تحميل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى