الوقف المائي مقاربة قانونية واقتصادية في ضوء التجربة المغربية
تأليف الدكتور/ عبد الكريم العيوني
الوقف المائي مقاربة قانونية واقتصادية في ضوء التجربة المغربية
مقدمة:
لقد أسس الإسلام لقيم اجتماعية وأخلاقية عظيمة تتعلق بالماء والمال، فهو وإن أباح تملكها، بحيث لم يغفل الطبيعة البشرية ووقفهما، تنفيسا للكرب، وتحقيقا لمبدأ التعاون والتضامن بين الناس، مما جعل الوقف في الإسلام، من أعظم القربات، لما يحققه من نفع للعباد في مختلف المجالات الدينية والتعليمية والثقافية والصحية والاقتصادية والبيئية…..
ومن أهم المجالات التطبيقية للوقف منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا: وقف الماء، الذي هو الحياة ودوامها، فقد جعله الله تبارك وتعالى السبب المباشر في حياة المخلوقات كلها، قال الله تعالى: “وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا یومنون“..
روی عثمان بن عفان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما قدم المدينة وليس بها ماء مستعذب غير بئر رومة، قال: “من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟، فاشتريتها من صلب مالي”، وعن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله إن أم سعد ماتت فأي الصدقة أفضل؟ قال: الماء، فحفر بئرا وقال: هذه لأم سعد”.
واستجابة لهدي الرسول عليه الصلاة والسلام، تنافس المسلمون على مر التاريخ في وقف أنفس أموالهم عامة، وفي وقف الماء خاصة، بعد أن كانوا في الجاهلية يتقاتلون على الماء،من أجل السيطرة على منابعه، “فكانت كل قبيلة تهاجم القبيلة التي تفوز بمنبع ماء قبلها، وتحاول إخراجها منه بقوة السلاح، وإنهاكها عطشا، وهذا ما فعله بنو عبس أزاحوا بني ثعلبة من غدير يقال له “قلهى” سيطروا عليه قبلهم ومنعوهم من الماء حتى كاد بنو ثعلبة يموتون عطشا ودوابهم.
ذات صلة: مدونة الأوقاف
ونظرا لأهمية الماء في حياة البشرية، تنوعت الأدبيات التي تناولت موضوع الماء في شتى مجالات المعرفة، بيد أن مجال بحثنا، وهو الوقف المائي، مازال مجالا خصبا يحتاج إلى مزيد من الدراسات التي تسهم في طرح هذه القضية من جديد لمواجهة ما يسمى بأزمة الماء في الوطن العربي، وذلك، بالتركيز على الإشكالات التي يثيرها هذا الموضوع، من خلال أبعاده الفقهية، والقانونية، والاقتصادية، خاصة وأن إحدى الدراسات المعاصرة توصلت إلى أن “أغلب مناطق الوطن العربي تعاني من ندرة المياه، ويرجع ذلك إلى وقوعها في المنطقة الجافة وشبه الجافة من الكرة الأرضية.ومع نمو السكان في الوطن العربي فإن مشكلة الندرة تتفاقم كنتيجة منطقية لتزايد الطلب على المياه لتلبية الاحتياجات المنزلية والصناعية والزراعية “.
وقد سجل التاريخ، على أن المؤسسات الوقفية المائية هي التي كانت تتولى تزويد مختلف المرافق الأساسية في المجتمع الإسلامي بالمياه، من مساجد وزوایا و مؤسسات تعليمية ومستشفيات وحمامات وغيرها، بید أنه بداية القرن العشرين، بدأت مؤسسة الوقف المائي تتراجع تدريجيا إلى أن توارت في العصر الحاضر جراء تدخل الدولة الحديثة في بعض المجالات الاقتصادية والاجتماعية، من خلال عملية تقنين أحكام المياه وذلك بنقل ملكيتها إلى الملك العام للدولة، وما صاحب ذلك من إشكالية الاعتراف بالمياه الحبسية وإثباتها.
وبناء على هذا التغير الوظيفي لمؤسسة الوقف المائي،ما هي الوظائف التي قامت بها هذه المؤسسة في المجتمع الإسلامي؟، وما هي أهم الأحكام الفقهية للمياه الوقفية في الفقه الإسلامي والتشريع المائي المغربي؟، وما هي سبل الاستثمار الوقفي في مجال المياه وآفاقه على المستوى الدولي؟
جوابا عن هذه الأسئلة ستتم معالجة أحكام المياه الوقفية في الفقه الإسلامي والتشريع المائي المغربي في المبحث الثاني، ثم بيان أوجه الاستثمار الوقفي في مجال المياه وآفاقه على المستوى الدولي في المبحث الثالث، على أن يتم البدء بإبراز إسهام المؤسسات الوقفية المائية في الحضارة الإسلامية في المبحث الأول.
الوقف المائي مقاربة قانونية واقتصادية في ضوء التجربة المغربية