ePrivacy and GPDR Cookie Consent by Cookie Consent Update cookies preferences
رسائل
أخر الأخبار

نظام التصدي في قانون المسطرة المدنية

إنجاز الطالب/ مصطفى المنصور/ الناشر مجلة القانون والاعمال الدولية

نظام التصدي في قانون المسطرة المدنية

مقدمة

خاطب الخليفة عمر بن الخطاب أحد قضاته بمناسبة توليته القضاء بقوله “ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك، فهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق، فالحق قديم لا يبطله شيء،ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل….”

إن هذه العبارة تجسد على قدمها غاية مراجعة الأحكام القضائية ألا وهي إحقاق الحق والعدالة، لأن القضاء حسب تعبير الأستاذ عبد العزيز حضري عمل بشري مجبولة على الخطأ بالفطرة، ونازع إلى المجاملة بالتمدن والمؤانسة، وموسوم بالاختلاف تبعا لقدرات الفهم والإدراك والدفاع المتفاوتة بين الناس.

ولقد آمنت التشريعات الوضعية – منذ القدم – بهذه الغاية. فسعت إليها بحيث اهتدت في سبيل تحقيقها إلى طرق الطعن كوسيلة لتمكين المتضرر من الحكم من إصلاح أخطاء القاضي، بغاية إزالة أو تخفيف الضرر الذي لحق به، أو المحتمل لحوقه به، عند مباشرة إجراءات التنفيذ.

وفي إطار تنظيم طرق الطعن عمدت التشريعات المسطرية إلى تنويع طرق الطعن مراعية تدرج مراتب القضاة، وتباين أوضاع المتظلمين من أحكامهم، كما تصورت لكل طعن غاية محددة ووضعت له شروط وقواعد بما يخدم الغاية من سنه.

ذات صلة: تعديل نظام الطعن بالاستئناف مدخل اساسي لاصلاح قانون المسطرة المدنية 

وهكذا تم التمييز بين قضاء ابتدائي قابل للمراجعة وآخر نهائي يستبعدها -المراجعة – ، وبين أخطاء الواقع، وأخطاء القانون، فأصبح الطعن بالاستئناف يقدم في مواجهة القضاء المبتدأ أيا كان خطأه -سواء في الواقع أو القانون -وغذا النقض وسيلة لمراقبة أخطاء القانون المتصلة بالأحكام الانتهائية.

ولقد هيمنت على نظام الطعن بالاستئناف والنقض فكرة أساسية، وهي إعادة طرح النزاع أمام محكمة أعلى درجة للبت فيه من جديد وإصلاح العيوب والأخطاء التي تكون قد شابت قضاء الدرجة الأدنى، مشکلا بذلك – نظام الطعن بالاستئناف والنقض – طريقة أو وسيلة لإصلاح الأحكام والقرارات القضائية، ليس إلا.

غير أن الأصوات تعالت ونادت بضرورة إدخال تعديل على هذا الهدف، قصد إعطاء الطعن بالاستئناف والنقض وظيفة جديدة تقوم إلى جانب الوظيفة التقليدية، وترمي إلى جعلهما وسيلتان لإنهاء النزاع دون الحاجة للعودة مرة ثانية إلى محاكم الأدنى درجة، وهو ما استجابت له التشريعات المسطرية من خلال ابتداعها لنظام التصدي.

أسباب اختيار الموضوع:

بالرغم من أن المشرع المغربي قد عرف نظام التصدي منذ وضع أول قانون إجرائي مدني سنة 1913، إلا أنه لم يستقر على رؤية واضحة بخصوصه، ذلك أن المشرع كثيرة ما عدل النصوص القانونية المنظمة له بل وألغاها في بعض الأحيان – كما أن تنظيمه لهذا النظام تميز بنوع من الاقتضاب سواء بالنسبة للتصدي أمام محاكم ثاني درجة أو بالنسبة لمحكمة النقض، وهو ما إنعكس سلبا على العمل القضائي والفقي.

فعلى مستوى العمل القضائي وفي ظل غياب أي تحديد تشريعي للمقررات القضائية القابلة للتصدي، ودون الإشارة إلى سلطات محكمة التصدي ودور الأطراف أمامها، فإن مواقف المحاكم تضاربت بشأنه ولم تستقر على طريقة إعماله أو حالات اللجوء إليه وما زاد من هذا التعقيد هو طبيعته الملزمة. بالنسبة لمحاكم ثاني درجة – إذ أن المحكمة تكون ملزمة بالتصدي إذا ما تحققت شروطه وإلا كانت منكرة للعدالة.

ذات صلة:طرق الطعن في المادة العقارية

أما على مستوى العمل الفقهي فإن الملاحظة الأساسية التي نسجلها هي فراغ الخزانة القانونية المغربية من أي مرجع متخصص في دراسة هذا النظام اللهم بعض الإشارات في بعض المراجع والتي تناولته كأثر من آثار الطعن بالاستئناف فقط، والسبب في ذلك اعتقادنا – هو موقف المشرع المتردد بخصوصه، ذلك أن مشرعنا المغربي كثيرا ما يتدخل لتعديل النص القانوني المنظم له. وهو ما لا يشجع الباحثين على دراسته، مخافة أن تصبح دراساتهم في حكم العدم بمجرد أول تعديل تشريعي، خاصة بالنسبة لتصدي محكمة النقض الذي لا يكتفي المشرع بتغيير النص القانوني المنظم له بل يلغيه.

غير أن أهم سبب دفعنا إلى اختيار هذا الموضوع هو ظاهر هذا النظام الذي يتسم بالبساطة وهي البساطة التي تخفي جوهرية تتسم بالتعقيد وتفصح عن الأهمية التي يتميز بها، لكل هذه الأسباب، فإننا اخترنا الغوص في بحث نظام التصدي كأول دراسة متخصصة فيه في المغرب، آملين أن تكون هذه الدراسة نقطة بدء لأبحاث تأتي بعدها أكثر عمقا، للإلمام بالجزئيات ودقائق الأمور، ولاستكمال الإجابة عن الأسئلة التي سنطرحها، والتي مهما اتسعت الإجابة فإنها لن تستطيع الإحاطة بكل جوانب نظام التصدي المتشعبة.

أهمية الموضوع:

إن موضوع التصدي في قانون المسطرة المدنية، وعلى غرار باقي مواضيع القانون الإجرائي المدني، لا يخلو من أهمية قانونية واقتصادية واجتماعية، ويتجلى ذلك من خلال ما يلي:

* الأهمية القانونية: وتتجلى في القصور التشريعي الذي يعرف تنظيم هذا النظام في قانون المسطرة المدنية ولذلك فإن الغاية من هذه الدراسة في الخروج بتوصيات واقتراحات تحث المشرع على التدخل من أجل تنظيم هذا النظام تنظيما شاملا حاسمة لكل الإشكالات التي يطرحها على مستوى العمل القضائي والفقي.

* الأهمية الاقتصادية: والتي تتمثل في أن تخويل محكمة الطعن سلطة حسم النزاع بالتصدي اللقضية دون إحالتها يؤدي إلى الاقتصاد في نفقات التقاضي، ذلك أن عدم تخويل سلطة التصدي للمحكمة سيحتم عليها إحالة الملف من جديد على محكمة الإحالة وهو ما يترتب عنه الزيادة في نفقات التقاضي وهدر الوقت والإجراءات سواء بالنسبة للمتقاضين أو بالنسبة لمرفق القضاء.

* الأهمية الاجتماعية: إن الأهمية الاجتماعية لنظام التصدي تتجلى أساسا في تدعيم ثقة الأفراد في مرفق القضاء، لكون الشخص لا يلجأ إلى المحاكم للحصول على حكم يتعلق بحق إجرائي، وإنما للحصول عن طريق الإجراءات على الحماية القضائية لحق موضوعي، وبالتالي لا يجوز أن تؤدي الإجراءات إلى ضياع الحقوق أو تأخير البت فيها أو جعل الحصول عليها مكلفا إعمالا بمبدأ عدالة قليلة النفقات يسيرة الإجراءات.

نظام التصدي في قانون المسطرة المدنية

تحميل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى