دليل الكتابة والنشر في المجلات العلمية
المقدمة
ما هو العلم؟
ونعني به هنا العلوم الطبيعية، والتي في مدار اختصاص هذا الكتاب.
يوجد كم هائل من المعارف المتوارثة عبر الأجيال على امتداد عمر البشرية، ساهمت فيه كل الحضارات والمجتمعات والتجمعات الإنسانية، ومن البديهي أن تلك المعرفة تتطور كما ونوعا، وسوف تستمر في ذلك التطور إلى ما شاء الله. فقد خلق الله سبحانه الإنسان ومعه القدرة على التعلم وبناء المعرفة والاستفادة منها وهذا ما يميزه عن باقي المخلوقات.
لأن هذه المعرفة هي أساس العمارة الأرض التي أمره الله بها، إذن، فالمعرفة وتنميتها أساس وجزء لا يتجزأ من كيان الإنسان وغاية وجوده على الأرض. ومن هنا وجب أن تكون هذه المعرفة أقرب ما تكون إلى الحقيقة، ووجب أن تبني على أسس ومنهجية سليمة وأن تنظم وتحفظ.
وأن يعاد تحديثها بشكل دائم، ولأن هذه المعرفة من نتاج جهد الإنسان بما يتوفر إليه من أدوات ومعلومات فإنها قابلة للتعديل بشكل دائم كما تغيرت الوسائل والأدوات والبيانات المتاحة والظروف فليس هناك حقيقة ثابتة، بل هي نظريات لابد من أن تخضع للتجربة والاختبار، وتثبت حتى إشعار آخر، إذا علمنا ذلك، فيمكن اعتبار العلم كيان أو بناء يقف على ثلاث قوائم أساسية:
– المعرفة الجمعية المتراكمة عبر تاريخ البشرية.
– أسلوب منهجي دقيق و صارم لبناء وتنظيم وتقييم المعرفة.
– أسلوب تفكير يعتمد على الاستفسار والشك في كل المعارف وأنها خاضعة للمراجعة عند وجود أدلة جديدة، أي الاعتقاد بأن كل المعارف العلمية مؤقتة وخاضعة للمراجعة عند مواجهتها بأدلة جديدة.
وأي خلل أو غياب لأحد هذه القوائم ينفي صفة العلم فمن ينتي للمجتمع العلمي يجب أن تكون لديه حصيلة من المعارف وقدرة على التفكير العلمي المعتمد على الشك وتحري “الحقيقة” وفق منهج علمي صارم متعارف عليه في هذا المجتمع، والقدرة على “إضافة” للعلم.
وعندما نقول “الحقيقة” فهذا يعني التزام بجودة وإتقان وأمانة العمل العلمي للوصول للحقيقة، والإضافة تعني “نشر” نتيجة ذلك العمل لتصل إلى الآخرين بوضوح ومصداقية وشفافية لتضاف إلى بنيان العلم والمعرفة الجمعية، وأخلاق وثقافة تقبل المناقشة والمراجعة والتحكيم بهدف الوصول للحقيقة وإضافتها للمعرفة الجمعية.
تعد الكتابة بغرض النشر الذي تتم مراجعته بواسطة الأقران (النشر في المجلات العلمية المحكمة” جزءا مهما من مهام الباحثين والعلماء، كما أنها جزء أساسي من العلم ونشاط المجتمع العلمي، وهي عمل ومهمة يجب أن تتم بشكل جيد.
كيف يمكن للباحث العادي أن يكتب ورقة علمية جيدة؟
ليس عليك أن تكون كاتبا جيدا لكتابة ورقة علمية جيدة، ولكن يجب أن تكون كاتبا دقيقا وحذرا، فالكتابة غير موفقة ربما تحول دون انتشار العلم والإبداع كما يجب، وربما ترفض أوراق بحثية تضم علما جيدا بسبب رداءة الكتابة، لذا لابد من التعرف على طريقة الكتابة العلمية، فهذا عمل أساسي وهم للباحث.
بشكل عام، لا تتطلب الكتابة العلمية الجيدة قدرات كتابة إبداعية. بل إنها تتطلب تعلم كيفية تنفيذ واتباع صيغة محددة لتقديم العمل العلمي.
سوف نحاول في هذا الكتاب تقديم إرشادات حول أسلوب وصبع الكتابة المتفق عليها عالميا للنشر في المجالات العلمية المحكمة.
أي شخص يستوعب هذه الإرشادات يمكن أن يكتب بطريقة أفضل، على الأقل، يمكنك أن تصبح كاتبا جيدا بما يكفي لقبول ورقتك في مجلة علمية ويمكن للقراء أن يحكموا على جودة العلم فيها.
هذا الكتاب يأتي من أجل المساعدة في بناء قدرات الكثير من الباحثين العرب في الكتابة العلمية والنشر في المجلات العلمية العالمية بشكل عام…
دليل الكتابة والنشر في المجلات العلمية