ePrivacy and GPDR Cookie Consent by Cookie Consent Update cookies preferences
رسائل
أخر الأخبار

الهبة والصدقة إشكالية حوز المهوب له

إعداد الملحق القضائي/ محمد الخديري

الهبة والصدقة إشكالية حوز المهوب له من خلال أدلة الفقه والقضاء

مقدمة

   تعتبر عقود التبرعات واحدة من بين العقود الأكثر تداولا بين الناس والأكثر شهرة بينهم وقد اهتم بها الفقهاء اهتماما بالغا وشرعوا لها أحكاما انبثقت أساسا من النصوص القانونية والأحاديث النبوية الشريفة وكذلك ما اشتهر عن الخلفاء الراشدين ومن تبعهم من علماء وفقهاء وذلك حسب ما استحدثه الناس في كل زمان من أقضية، وهذا يتضح من خلال الكتب الفقهية التي اهتمت بذلك ككتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد للإمام ابن رشد الذي ناقش إشكاليات مازالت محاكم المملكة تجد وطرها في آرائه وتحليلاته وكذا مدونة الإمام سحنون وغيرها من المؤلفات الفقهية العتيدة، هذا فيما يخص الفقهاء القدامى أما الجدد منهم عامة كالإمام ابن عاصم المشهور بتحفته والتي تتبنى فيها آراء قد تتعارض أحيانا مع الآراء الفقهية القديمة لكنها تعتمد في ذلك تغيرات أحوال الناس والنوازل التي تتجدد في كل وقت وحين وهذا ينصب في إطار إيجابي صرف، يجعل من العمل القضائي الذي يعتمد في وضعه الحالي أي في غياب تشريع حديث ينضم هذه العقود على مختلف الآراء والمواقف الواردة في كتب الفقهاء.

وعقود التبرع بما هو متعارف عليه تشتمل الهبة والصدقة والوقف، والعارية، والإسكان، والنحل، والهدية، والعمری والإخدام… وغيرها.

  وقد ارتأينا الاهتمام بالهبة والصدقة في بحثنا هذا لكونهما الأكثر تداولا في عصرنا الحالي ولكون أحكام الهبة والصدقة يمكن تطبيقها على العقود الباقية الأخرى دون أن تمس بخصوصياتها ومن بين هذه الأحكام شرط الحوز في التبرعات الذي اتخذته محور ومدار هذا البحث على اعتبار أن المقتضيات والشروط الأخرى مبسوطة بإسهاب في كتب الفقه وتكاد تجمع على موقف واحد بشأنها وهكذا فشرط الحوز لازم لتمام أو لصحة هذه العقود ويتم برفع يد المتبرع عنها وإحلال يد المتبرع له محلها ، إلا أن هذه الإمكانية البسيطة تطرح من خلال المعاملات والتصرفات اليومية مشاكل عدة ترتبط أساسا بطبيعة التخلي عن الشيء المتبرع به وأيضا طبيعة الحوز ووسائل إثباته وطرق ذلك.

 وقد تطرق الفقهاء كما سلف الذكر لمجمع هذه الحالات وذلك هم بالأساس العقار غير المحفظ والمنقولات إذ أن نظام التحفيظ استجد مند سنوات ليست بالكثيرة وطرح بدوره إشكالات عدة همت بالأساس تسجيل رسم الهبة والصدقة بالرسم العقاري وهل يكفي هذا التسجيل المسمى بالحيازة القانونية ويغني عن الحيازة الفعلية بشهادة الشهود وغيرها من الوسائل القانونية المحددة من خلال العمل القضائي المتواتر وهل تكفي أيضا الحيازة الفعلية وتغني عن الحيازة القانونية.

ذات صلة:حق العمرى دراسة تأصيلية وتطبيقية في الفقه والقانون

  وتجدر الإشارة إلى أن هذا النقاش هو نقاش قديم جديد انبعث الاهتمام به بعد صدور القرار عدد:555 الصادر عن المجلس الأعلى بجميع الغرف بتاريخ:2003/12/28 ملف عدد:95/2/2/596 و الذي ذهب إلى كون تسجيل الصدقة في الصك العقاري في حد ذاته حيازة قانونية تغني عن إشهاد العدلين بمعاينة الحيازة وإخلاء العين موضوع الصدقة وأعتمد في ذلك على كون غاية الفقه في اشتراط الحيازة في عقود التبرعات هي خروج العين المتصدق بها من يد المتصدق إلى يد المتصدق عليه وأن التسجيل المذكور يحقق هذه الغاية ويوثقها بشكل أضمن لحقوق المتصدق عليه هذا القرار الذي اتفق معه كثيرون و أختلف معه آخرون وعلل كل فريق ذات أهمية ومصداقية تقدمه وإحقاق الحق وجعل العدل بين الأطراف هي السمة الأساسية التي يهدف أجمعين إلى تحقيقها من خلال مثل هذه المناقشات.

 نشير أيضا إلى كون المصطلحات الواردة في بحثنا هذا ارتبطت بالأساس بعقد الهبة فاستعمل مثلا الواهب، الموهوب له، الشيء الموهوب، ولا أجعل تمييزا لذلك مع عقد الصدقة ، وذلك راجع أساسا لكون الفرق بين عقد الصدقة إنما يتميز عن عقد الهبة بكون العقد الأول يكون ابتغاء لوجه الله و الثاني مرضاة للموهوب له فالهبة عطية والعطية التبرع والتفضل على الغير ولو بغير المال ، أي ما ينتفع به مطلقا سواء كان مالا أو غير مال، وهي كما قال الإمام ابن عرفة : تمليك متمول بغير عوض إنشاء”.

 فالهبة لغة مصدر وهبة له الشيء يهبه وهبا ووهبه وهبة أعطاه له بلا عوض وهي التفضل على الغير ولو بغير مال قال تعالى : “فهب لي من لدنك وليا”، وشرعا الهبة لا لثواب تمليك ذي منفعة لوجه المعطى له بغير عوض اخرج به هبة الثواب لأنها عطية قصد بها عوض مالي، كما عرفها الإمام ابن عرفة، والهبة تملك بالقول على المشهور والقبول ركن والحيازة شرط. والصدقة لغة : ما يعطي على وجه القربي لوجه الله بغير عوض.
وشرعا : تمليك ذي منفعة لوجه الله بغير عوض.

والصدقة حكمها الندب تصح وتلزم بالقول إلا عن وجد مانع وهو إما مرض الموت أو الدين المحيط بماله وهو قول التحفة :
صدقة تجوز إلا مع مرض – موت وبالدين المحيط تعترض.

والهبة تشمل الهدية والصدقة لأن معانيهما متقاربة فإن قصد منها طلب التقرب إلى الله  بإعطاء محتاج فهي صدقة وإن قصد منها التقرب والتودد فهي هدية وإلا فهي هبة.

  والخلاصة أن الهبة تمليك لذات بلا عوض وإن كان لوجه الله وثواب الآخرة فهي صدقة وإن كانت لوجه القابض دون قصد ثواب الآخرة فهي هبة ، فالهبة والصدقة تمليك من له التبرع ذاتا تنقل شرعا بلا عوض لمستحق بصيغة أو ما يدل على التملك ، فإن كان التمليك لذات المعطى “بالفتح” فقط فهي هبة ، وإن كان التمليك لثواب الآخرة فهي صدقة،
وأحكام الهبة والصدقة سواء إلا في هذه الوجوه :

1) فالهبة تعتصر بحيث يجوز للأب والأم اعتصارها والرجوع فيها وانتزاعها من يد الولد الموهوب له بخلاف الصدقة لا يجوز اعتصارها.

2) أن الهبة يجوز للواهب تملكها بخلاف الصدقة فيكره تملكها بغير ميراث من شراء أو قبولها هبة أو بغيرهما، خليل (وكره تملك صدقة بغير ميراث) وهو قول التحفة : ولا رجوع بعد للمتصدق – وملكها بغير ارث اتقي.

3) الواهب يصدق في قصده الثواب أي العوض وإن لم يشترطه بخلاف المتصدق فلا يصدق في قصد الثواب إلا إذا اشترطه فتصير معاوضة ، (وجاز شرط الثواب وصدق واهب فيه إن لم يشهد عرف بضده وإن لعرس).

4) يجوز للواهب الإنفاق من الهبة على أبيه إذا افتقر بخلاف الصدقة. ويجوز للمتصدق بالماء على مسجد أو غيره أن يشرب منه لأنه لم يقصد به الفقراء وحدهم بل حتى الأغنياء.

ومن هنا يتضح بأن الهبة تكون للتودد والتقرب والصدقة تكون ابتغاء وجه الله وثوابه الجسيم.

فالهبة هي تمليك ما لآخر بلا عوض.

والصدقة هي المال الذي وهب لأجل الثواب، وهما تمليك في الحياة بلا عوض ويختلفان في النية، وقد شرعتا مما فيهما من تأليف القلوب وتوثيق عرى المحبة بين الناس وقد ثبت جواز هما بالكتاب والسنة والإجماع.

وليست للأب اعتصار الهبة إذا اشترط عدم الرجوع فيها والمحكمة لما اعتبرت تضمين المتبرع عقد الهبة عدم الرجوع فيها في حكم الصدقة من حيث عدم جواز اعتصارها، فإنه ليس بقرارها أي خرق للقواعد الفقهية المنظمة الأحكام الهبة.

وهو فرق يرتبط أساسا بنية الواهب أو المتصدق ولكون الموضوع الذي هو عنوان البحث أي الحيازة في التبرعات لا يطرح أي تفرقة بخصوص الأحكام الواردة في هذا الصدد لذا ارتأينا استعمال مصطلحات موحدة حتى لا تخلق نوعا من الارتباك لدى القارئ والمطلع.

الهبة والصدقة إشكالية حوز المهوب له من خلال أدلة الفقه والقضاء

تحميل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى