ePrivacy and GPDR Cookie Consent by Cookie Consent Update cookies preferences
رسائل
أخر الأخبار

دور الحكامة الجيدة في تخليق الإدارة العمومية المغربية

إعداد الطالب الباحث/ مصطفى المريني

دور الحكامة الجيدة في تخليق الإدارة العمومية المغربية

مقدمة عامة

يعد التخليق أساسا من أسس قيام الأمم والشعوب، وازدهار حضاراتها واستتباب الأمن والطمأنينة داخل ربوعها، ورسوخ الإستقرار في مجتمعاتها.. فسلامة المجتمعات وقوة بنيانها بين أمم الأرض، إنما يتأتى بسمو أخلاقها ونبل قيمها وحسن سلوكها، فالأخلاق؛ يقول جلالة الملك محمد السادس، تعتبر:”.. أساسا من أسس الدولة تقوم بقيامها وتنهار بانهيارها. .”

وقديما أنشد الشاعر العربي:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت .. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.”

وإذا كان التخليق عملية شاملة تشمل مختلف مجالات المجتمع، فإن تخليق الإدارة العمومية يكتسي أهمية بالغة لماله من دور في تحقيق التنمية الشاملة؛ إذ هو مدخلها الأساس وشرطها الواقف، ذلك أن معظم مظاهر الانحراف المتفشية في جسم الإدارة المغربية من قبيل الرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ و الشطط في استعمال السلطة مأتاها من انحطاط الأخلاق وانهيارها.

ونظرا للأهمية التي تكتسيها الإدارة العمومية، فقد أصبح تخليقها وتحصينها من ممارسات الفساد هاجسا مؤرقا يقض مضاجع دول المعمور، ولاسيما الدول النامية التي تعاني من إشكالات تنموية عميقة، يشكل الفساد إحدی تمظهراتها الأساسية، بسبب انحراف إدارتها عن أهداف خدمة الصالح العام والمساهمة في تحقيق التنمية الشاملة، وبخاصة التنمية الاقتصادية، مما أدى إلى استشراء الفساد وتغلغله في مختلف مفاصل الحياة العامة، حتى غدا جزءا من “ثقافة” المرفق العام، يقف سدا منيعا في وجه كل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية
والسياسية.

ذات صلة:الحكامة الترابية على مستوى الجماعات والجهات بين احترام القانون وتكريس النزاهة والشفافية

وإذا كان التخليق قد أصبح اليوم مطلبا عالميا؛ بسبب تفشي الفساد وآثاره المدمرة على استقرار وأمن الدول والمجتمعات؛ إذ يتعارض الفساد مع ترسيخ دولة القانون، ويعرقل مجهودات التنمية. وقد تضاعفت هذه الأخطار في السنين الأخيرة نتيجة تداعيات العولمة والتنافسية والتطور التكنولوجي وما أفرزته من ترابط بين الدول والشركات المتعددة الجنسية وتشابك في الصفقات المالية والتجارية والاستثمارية وقنوات التواصل وآليات تدفق الرساميل.. إذا كانت هذه تداعيات الفساد على دول العالم بصفة عامة، فإن وقعها على الدول النامية، ومنها المغرب، أقوى وأشد…

ومن هنا تضافرت جهود دول العالم على تخليق الحياة العامة وتطويق ظاهرة الفساد التي تفاقمت مضاعفاته، حيث تشكل خلال السنوات الأخيرة تحالف عالمي ضد الفساد عن طريق تبني مقاربة شمولية ودولية، تهدف إلى وضع أنظمة وطنية ودولية للنزاهة والشفافية والمساءلة، توج بإبرام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تم التوقيع عليها في 31 أكتوبر 2003 لتدخل حيز التطبيق ابتداء من 14 دجنبر 2005 فالإدارة اليوم، تواجه بحكم موقعها ودورها بالإضافة إلى التزاماتها التقليدية، تحديات جديدة تملي عليها أن تكون أكثر فعالية وشفافية
ونجاعة في تقديم خدماتها، وأكثر تشبثا بثقافة المرفق العام التي ينبغي أن تحكم معاملاتها وعلاقاتها، إضافة إلى وجوب توخيها الترشيد والعقلنة والانفتاح على محيطها، بما يجعل منها آلية للتنمية وخدمة الصالح العام.

من هذا المنطلق فإن الإدارة العمومية المغربية معنية بشكل مضاعف بعملية التخليق والتأهيل لمواجهة التحديات الجديدة، وذلك بالنظر إلى الاختلالات البنيوية والوظيفية التي تنقص من فعاليتها وتحد من دورها المحوري في التنمية، وهي الخلاصة التي حملها تقرير البنك الدولي حول الإدارة العمومية المغربية (1995).

على ضوء هذا التقرير، التزم المغرب بمواجهة الفساد وتخليق الحياة العامة، وفي مقدمتها الإدارة العمومية، حيث حرص على التعبير عن الإرادة السياسية للانخراط في مسلسل التخليق الشامل، باعتباره إحدى مستلزمات الحكامة الجيدة لتحقيق التنمية المستدامة، خاصة أن البحوث والدراسات الدولية بينت وجود علاقة “جدلية بين الحكامة الجيدة كالية للتدبير العمومي وتحقيق تنمية فاعلة وفعالة، مما يستدعي تفعيل منظومة القيم والأخلاق، ووضع آليات للتدبير تضع في الصدارة أولوية احترام القانون والمساواة ومساهمة المواطنين في صناعة واتخاذ القرار،وتوخي الشفافية في تدبير الشأن العام.

ذات صلة:الجهوية المتقدمة كأحد دعائم النموذج التنموي الجديد

إن المتطلبات السابقة تجد ضالتها في منظومة الحكامة الجيدة كآلية حديثة للتدبير العمومي العصري الناجع تقوم على مقاربة تشاركية تتضافر في سياقها أدوار ثلاثة مكونات أساسية هي: الدولة / الإدارة، القطاع الخاص والمجتمع المدني، وهو ما يسميه الباحثون في شؤون الحكامة ب: “مثلث الحكامة الجيدة”.

وهي الوصفة السحرية التي بشرت بها المنظمات والهيئات الدولية المواجهة الفساد الذي يعصف بالإدارات العمومية في الدول النامية ويحول دون تنميتها؛ فتم اعتمادها كمرجعية في تعاملات وعلاقات الهيئات السابقة مع دول الجنوب؛ فأقبلت عليها هذه الأخيرة أملا في علاج “سرطان” الفساد الذي يمسك بتلابيب إداراتها، وصولا إلى تحقيق التنمية المنشودة.

ومن هذا المنطلق “استعان” المغرب بهذه الآلية الجديدة لتخليق الحياة العامة، ومواجهة الفساد المستشري في مفاصل إدارته، بل رهن نجاح الإصلاحات التي انخرط فيها، خاصة منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس سدة الحكم، بمدى أخذه بمنهاج الحكامة الجيدة، وفي هذا الصدد يقول جلالة الملك في إحدى خطبه : “………وسيظل نجاحنا في كل الإصلاحات، التي أطلقناها، رهينا بأخذنا بالحكامة الجيدة، باعتباره الآلية الناجعة لتحقيق المواطنة المثل”

دور الحكامة الجيدة في تخليق الإدارة العمومية المغربية

تحميل الرسالة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى