حجية اكتساب الحقوق العينية بنية حسنة بين استقرار المعاملات العقارية ومبادئ العدالة
إعداد الطالب الباحث / عصام عطياوي
حجية اكتساب الحقوق العينية بنية حسنة بين استقرار المعاملات العقارية ومبادئ العدالة في ضوء مستجدات مدونة الحقوق العينية – دراسة مقارنة –
مقدمة
كشف التطور الذي تعرفه البشرية على جميع المستويات – خاصة في مجال المعاملات بين الأفراد- عن قصور في القواعد القانونية التي أصبحت عاجزة عن مواكبة هذه التغيرات السريعة، ولما كان القاضي ملزم بتطبيق القانون في النوازل المعروضة عليه، ولما كانت العديد من هذه النوازل تفتقد لنصوص قانونية صريحة يمكن أن تطبق عليها، فإنه كان من الضروري الرجوع إلى القواعد والمبادئ العامة للقانون، لأنها تبقى الأصل في وضع القاعدة القانونية وهي الحل الأمثل لهذه المشكلات، ومن أهم هذه المبادی مبدأ حسن النية.
وقبل أن يتحول هذا المبدأ إلى قاعدة قانونية كان قاعدة أخلاقية، عرفته الشريعة الإسلامية التي تحرص على أن تقوم المعاملات بين الأفراد على الوفاء والصدق والعدل والأمانة والإخلاص وفي ذلك قوله سبحانه {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا }. وقوله صلى الله عليه وسلم ” إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”.
كما عرف الرومان هذا المبدأ وكان عندهم التزاما أخلاقيا يحد من شروط الشكلية. ونظرا لأهمية هذا المبدأ فقد تبنته القوانين المدنية الحديثة حيث نصت المادة 1134 من القانون المدني الفرنسي في فقرتها الثالثة على ضرورة تنفيذ الالتزامات بحسن نية.
ونصت المادة 1372 من القانون المدني لكيبك الكندي لسنة 1994 على أن: “حسن النية يجب أن ينظم تصرفات أطراف الالتزام سواء عند إنشائه أو عند تنفيذه”. ونص الفصل 401 من القانون العراقي الصادر سنة 1984 على أنه: “يجب تنفيذ العقد طبقا لمضمونه وبالطريقة التي تتفق مع ما يوجبه حسن النية والثقة المتبادلة وشرف العمل”. كما نص الفصل 558 من مجلة الالتزامات والعقود التونسية على أن الأصل في كل إنسان الاستقامة وسلامة النية حتى يثبت خلاف ذلك”.
والمشرع المغربي لم يحد عما ذهبت إليه هذه التشريعات فنص في الفصل 231 من قانون الالتزامات والعقود على أن “كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية”.
ولمبدأ حسن النية في القانون المغربي تطبيقات عديدة أهمها ما هو مقرر في الفصلين 103 و 456 من قانون الالتزامات والعقود المتعلقين بالحائز حسن النية في المنقول.
إلا أن هذا ليس هو مجال دراستنا المرتبطة بالمادة العقارية وبشكل خاص “حجية اكتساب الحقوق العينية بنية حسنة”، أي تقييدات الغير حسن النية في إطار الفقرة الثانية من الفصل 66 من ظهر 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، كما عدل وتمم بالقانون رقم 14.07. والمادة الثانية من مدونة الحقوق العينية.
فمن المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام السجل العيني هي القوة الثبوتية للتقييدات التي تفرض تقييد الحقوق العينية المتعلقة بالعقارات المحفظة حتى يكون لها وجود بين المتعاقدين ويمكن مواجهة الغير بها. وإذا كانت حجية هذه التقييدات نسبية بين المتعاقدين فهي بالنسبة للغير مرتبطة بحسن أو سوء النية. فالغير سيء النية لا يستفيد من تقييده القابل للتشطيب عليه بناء على مبدأ “الغش يفسد كل شيء”، أما تقييد الغير حسن النية فهو يكتسب حجية مطلقة مبدئيا ويكون محصنا من أي إبطال أو تغيير أو تشطيب وذلك حماية للظاهر في المعاملات العقارية بشكل يضمن الثبات والاستقرار لها.
إلا أن المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية أوجدت استثناءات على مبدأ الحجية المطلقة لتقييد الغير حسن النية؛ تتعلق أساسا بحالات التدليس والتزوير واستعماله فإذا تم إثبات هذه الحالات فتقييد الغير حسن النية يكون قابلا للتشطيب عليه، هذا فضلا عن مجموعة من الاستثناءات الأخرى التي تتعارض فيها مصالح الغير حسن النية مع مصالح أخرى يقوم المشرع تارة بالتوفيق بينها، وتارة أخرى يحمي مصلحة على حساب أخرى وفي مجموعة من الحالات يفضل السكوت تاركا الأمر للفقه والقضاء.
والحالة الغالبة التي عالجها الباحث في هذه الدراسة هي ما يسمى عند الفقه ب ” البيع المتعدد” حيث هناك مجموعة من الحالات التي عرضت على القضاء كما سنرى فيما يعد بموجبها تصرف البائع في ملكه المحفظ مرتين، فتقاعس المشتري الأول عن تقييد شرائه ليقوم المشتري الثاني وعن حسن نية بتقييد حقه بالرسم العقاري، إضافة لصور أخرى كبيع ملك الغير بوكالة أو بناء على تدليس، أو نصرف الورثة في ملك المغقود المحكوم بوفاته إلى الغبر حسن النية وظهر أن المفقود مزال حيا…..
عالج الباحث هذا الموضوع إنطلاقا من التقسيم التالي:
الفصل الأول: حجية اكتساب الحقوق العينية بنية حسنة وأثرها على استقرار المعاملات العقارية.
الفصل الثاني: الاستثناءات الواردة على حجية اكتساب الحقوق العينية بنية حسنة ودورها في تحقيق مبادئ العدالة.
حجية اكتساب الحقوق العينية بنية حسنة بين استقرار المعاملات العقارية ومبادئ العدالة في ضوء مستجدات مدونة الحقوق العينية – دراسة مقارنة –