التصالح و التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية دراسة قانونية وواقعية
إعداد الطالب/ أمين اليعقوبي
التصالح و التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية -دراسة قانونية وواقعية-
مقدمة
إن النهوض بالاقتصاد الوطني رهين بتطوير المقاولة، وتحديث العلاقات المهنية لضمان إستقرار علاقات الشغل و تحقيق السلم الاجتماعي، وهو الهدف الذي لا يمكن الوصول إليه إلا عبر وضع قواعد قانونية متينة تحكم علاقات الشغل و تسعى إلى تحقيق التوازن بين الجانب الإجتماعي والهاجس الاقتصادي دون ترجيح أحدهما على الأخر.
و يحتل الشغل مكانة بارزة في حياة الفرد و الجماعة على حد سواء، لكونه المصدر الأساسي لمعيشة الغالبية العظمى من أفراد المجتمع، وكذلك المحرك لعملية البناء والتقدم لتحقيق تنمية مجتمعية مستدامة ، وقد كانت المبادئ الفردية التي يعززها مذهب الإقتصاد الحر التي سادت خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، اثرها على علاقات الشغل بعد أن كانت هذه الأخيرة تخضع في تنظيمها للظروف الحضارية لكل مجتمع و تتأثر بالعوامل الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية السائدة فيه.
فأصبحت علاقات الشغل في ظل هذا التحول تقوم على أساس تعاقدي بحث خاضع لإرادة الأطراف بعيدا عن تدخل الدولة ، واعتبر عقد العمل المبرم بين العامل و رب العمل التنظيم النموذجي العادل للعمل، إلا أن هذه المساواة والتي كانت أساس المذهب الفردي، فقد انعكست آثارها سلبا على العامل الذي كان ملزما بقبول شروط العمل المجحفة التي يفرضها رب العمل لكونه الطرف الضعيف اقتصاديا في علاقة تعاقدية غير متكافنة، وهو ما عرضه لأسوء أنواع الإستغلال و أبشعها، وكلما ارتفع عدد العمال كلما ازدادت ظروف عملهم سوءا، فكان العمل في اليوم يصل إلى أربعة عشرة ساعة ، كما شمل الإستغلال حتى الأطفال الذين ثم استخدامهم في سن صغيرة، وكذا النساء في ظروف قاسية وبأجور زهيدة في معامل و مصانع ، وحتى في المناجم، حيث تنعدم الوسائل اللازمة والضرورية لتوفير الراحة أو حتى للمحافظة على سلامتهم.
إلا أن هذه الوضعية لم تدم طويلا، إذ ستتغير وضعية الطبقة الشغيلة مع تغير دور الدولة في الحياة الإقتصادية والإجتماعية، بحيث ستعلب الدولة دورا محوريا في ذلك، من خلال خلق وسن التشريعات التي تحكمها ، كما أن علاقات الشغل لم تظل مقتصرة على العلاقات الفردية، بل ستعرف تطورا كبيرا في اتجاه علاقات جماعية تجمع ليس فقط المشغل بكل اجیر، وإنما بكل أجرانه أو فريق منهم على الأقل، فالعلاقات الشغلية الحالية تجاوزت إطار العلاقة بين الأجيرو المشغل لتصبح بين عنصري الإنتاج ( العمل وراس المال )، بحيث أصبح كل من الأجير والمشغل ينتمي في معظم الأحيان إلى هيئات مهنية أو تجمعات نقابية اصبحت هي التي تتولى تنظيم العلاقات بين المشغلين و الأجراء بدل عقد الشغل الفردي.
وتبعا للتطور الذي عرفته علاقة الشغل من علاقة شغل فردية إلى علاقة شغل جماعية، عرفت خلافات الشغل بدورها تطورا ملحوظا، إذ انتقلت من خلافات شغل فردية الى خلافات شغل جماعية تجمع المشغل بجميع أجرانه و النقابات التي ينتمون إليها في إطار حرية الانتماء النقابي، مما جعل طبيعة الخلافات تأخذ نحوا أكثر خطورة لكونها قد تؤدي حدوث اضطراب و شلل اقتصادي ، مما دفع مختلف التشريعات إلى محاولة إيجاد قواعد قانونية من شأنها أن تسهم في وضع حد لهذه النزاعات التي قد تنشأ بين أطراف العلاقة الشغلية، وذلك بعرضها على جهات قادرة على إيجاد حلول سلمية بعيدا عن القضاء الرسمي لدولة، وقبل أن يتحول النزاع إلى إضراب قد تترتب عن عواقب وخيمة تمس بأثارها شريحة عريضة من المجتمع، حيث أن وقوعها واستفحالها يندر بخطورة الوضع ويهدد كيان المجتمع الإقتصادي والإجتماعي……
التصالح و التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية -دراسة قانونية وواقعية-