ePrivacy and GPDR Cookie Consent by Cookie Consent Update cookies preferences
مقالات
أخر الأخبار

سيكولوجية وإبستيمولوجية القانون الجنائي المغربي من خلال مدرسة الفقه الإسلامي-المالكي- والمدرسة اللاتينية الجرمانية

إعداد الدكتور -سعد بن عجيبة-

سيكولوجية[1] وإبستيمولوجية[2] القانون الجنائي المغربي من خلال مدرسة الفقه الإسلامي-المالكي- والمدرسة اللاتينية الجرمانية

 الدكتور سعد بن عجيبة

أستاذ باحث بكلية الحقوق مراكش

جامعة القاضي عياض

 

لا شك أن القانون الجنائي بمفهومه الواسع  كان ولا زال يعد في الوقت الراهن من المقومات الأساسية في بنية المنظومة التشريعية برمتها، ومن المسلم به أيضا أن تقدم المجتمع وتطوره  نحو الأفضل جعل منه عند المهتمين بالفقه والقانون الضمانة الأساسية لحقوق الدولة والأفراد، ذلك أن القانون الجنائي من موقعه الإستراتيجي داخل هذه المنظومة نرى أنه يتحمل العبء الأكثر ثقلا في صياغة الوصف الشامل للنظام العام وفهمه وضبطه في أن واحد[3].

فمن الناحية السيكولوجية يعد هذا الفرع من القانون حلقة مهمة في استمرار هده المنظومة الهامة-التشريعية- واشتغالها في ظروف سليمة تحظى بالاهتمام والاحترام من لدن كافة أفراد المجتمع، لكون أن هذا القانون وكما هو معلوم يضم في جوهره مجموعة من القواعد القانونية الآمرة في حلة زجرية عقابية، تتدخل كلما وقع خلل في مسار السلوك الاجتماعي الذي اتفق عليه أفراد المجتمع وارتضوا السير عليه داخل رقعة جغرافية محددة المعالم برا وجوا وبحرا-إقليم الدولة-، قصد التعايش في انسجام وأمن واطمئنان، معززة في دلك بآليات قانونية موضوعية وشكلية، تهدف إلى ردع هذا الخلل وإعادة إصلاحه وتقويمه أو بتره من جذوره ومحاربته بصفة نهائية.

الشيء الذي يجعل قواعد القانون الجنائي في مقدمة القواعد القانونية التي تؤثر بشكل بليغ وحاد في انطباعات الأشخاص وسلوكهم. أما من الناحية الإبستيمولوجية فيمكن القول أن القانون الجنائي ومن خلال دلالته اللغوية والوظيفية، قد انبثق عن جملة من الآثار القانونية الدالة على النتائج السلبية بين الأفراد كعلامة بارزة في علاقاتهم اليومية والمتمثلة عموما في مجموع الصراعات الدائرة بين الإنسان وأخيه الإنسان داخل محيطه الاجتماعي أو القبلي،  وعلى وجه الخصوص في علاقات الفوضى والتسيب الناتجة عن تباين المصالح، على أساس أن هده العلاقات الرابطة بين الأفراد عبر حقب هامة من التاريخ البشري في غياب عنصر الزجر والترهيب لم تكن يوما مستقرة وهادئة ومفيدة للعموم، على نحو سليم وعادل يرضي جميع الأطراف، بل كانت تتميز بعدم الاستقرار وتتعرض للأبشع أنواع الاستغلال من قبل الطرف القوي أو السيد في مقابل الطرف الضعيف أو العبد، في إشارة قوية لصور عدم تكافؤ وتوازن مصالح الأفراد، ومن ثم فإن الدراسة الإبستيمولوجية للدور الذي يؤديه القانون الجنائي في هذا الإطار، يجعلنا مصرين تمام الإصرار على بدل جهد وعناية في الوقت نفسه للكشف عن المصادر الرئيسية للقانون الجنائي المغربي في إطاره العام والخاص، ودلك من خلال الوقوف على دور المدارس الفقهية والقانونية التي كان لها الفضل بشكل رئيسي في ظهور القانون الجنائي  ونشأته بين أحضان المجتمع المغربي في صورة مكتوبة مقننة، تعتمد بالأساس على مبدأ الشرعية الجنائية في التجريم والعقاب، ونخص بالذكر هنا كل من مدرسة الفقه الإسلامي -المالكي- التي انبثقت من رحم الشريعة الإسلامية الغراء، والتي جأت يقينا لتؤطر سلوك الناس ورفع الظلم عنهم في وقت كان الناس فيه قد اضطهدوا من بطش الجناة والمجرمين وقسوتهم في أكل أموال الناس بالباطل وقتل النفس بغير حق، كما أنه ومن زاوية ثانية نجد المدرسة اللاتينية الجرمانية والتي انشقت من رحم فكر معاصر امتد لقرون لعدة حتى بلغ إلى ماهو عليه من تطور في صورته الحالية، يهدف إلى إقامة العدل بين الناس ونبذ كل ما من شانه أن يمس بكرامة الإنسان.

أجل إن ازدواجية الظرفية التي ظهر فيها القانون الجنائي بالمغرب فضلا عن الجهة الرسمية التي يستمد منها مشروعيته، انطلاقا من التوجهات الفكرية للمدارس القانونية الكبرى التي أسست بنيانه ومعالمه، سواء تعلق الأمر بالقواعد الأصولية[4]والقواعد الفقهية الشرعية المقتبسة من أحكام مدرسة الفقه الإسلامي-المالكي-  أيام كانت أحكام الشريعة الإسلامية هي المطبقة من لدن القضاة المغاربة في سائر المحاكم المغربية بمفهومها الشرعي الديني، ولا سيما في الحقبة الزمنية الطويلة التي امتدت قرابة أربعة عشر قرنا من الزمن وصولا إلى بداية القرن الماضي وتحديدا عند دخول الحماية الفرنسية سنة 1912، أوبتلك القواعد الوضعية المقتبسة[5] من أحكام المدرسة اللاتينية الجرمانية والتي بدأت ملامحها تظهر في السياسة التشريعية المغربية مباشرة بعد وقوع المغرب في يد الحماية الفرنسية سنة 1912 وإنشاء ما يسمى بالمحاكم العصرية الموجهة أساسا لحماية مصالح الأجانب الفرنسيين والإسبانيين المقيمين بالمغرب[6]، والتي مهدت بالفعل في ظهور ملامح جديدة على بنية التشريع المغربي المعروف عنه بأصالته وطابعه المحافظ، فكل هذه الأمور جعلت من القانون الجنائي المغربي قانونا غامضا ويصعب تحديد مصدره التاريخي والتشريعي، فضلا عن انتمائه الأكاديمي والفكري، وعلاقته بالجانب النفسي للأشخاص (من حيث أنه يمثل قواعد الدين وقواعد القانون)، في ظل تغير مستمر لنصوص القانون الجنائي وخاصة في شق العقوبات، ولعل الأسئلة المتكررة التي يطرحها طلبة القانون في كل سنة جامعية تقريبا،  داخل المدرجات الجامعية على أساتذتهم بمناسبة دراستهم للأول مرة لمادة للقانون الجنائي، مند أوائل الستينيات من القرن الماضي إلى حدود كتابة هاته الأسطر،  ناهيك عن غياب تام للأعمال التحضيرية المخصصة لهدا القانون، تؤكد لنا جليا مدى تقاطع القانون الجنائي المغربي بين هاتين المدرستين فكريا وأكاديميا. وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة على بساط البحث مند العقود الأولى من تاريخ القانون الجنائي المغربي[7] أي منذ دخوله حيز التنفيذ تحديدا سنة 1963[8]هو السؤال نفسه الذي نطرحه اليوم كما سيتم طرحه دائما بسبب الحيرة والإبهام والارتباك الذي يحوم حول مرجعية  المدرسة التي يستمد منها القانون الجنائي المغربي المعاصر أحكامه في الوقت الراهن؟  وهل يمكن القول أن التوجه الذي فرضته المدرسة اللاتينية الجرمانية على المغرب بموجب نظام الحماية جعل هدا الأخير يتخلى عن مدرسة الفقه الإسلامي-المذهب المالكي- في تحديد الجرائم والعقوبات؟ أم أن هناك تقاطع بينهما ؟

لتحليل وتأصيل هدا الموضوع وربطه بين الماضي والحاضر وفق رؤية وازنة وواضحة المعالم تعكس عنوانه البارز وجوهره المعمق، يلزمنا تقسيمه إلى مبحثين رئيسيين، نهيئ في المبحث الأول قراءة سيكولوجية للقانون الجنائي المغربي، و ذلك بالاعتماد على فلسفة خاصة في التحليل، تتطلب استحضار منهج تحليلي يغلب عليه الطابع الواقعي أكثر من النظري، أما المبحث الثاني نخصصه لدراسة إبستيمولوجية القانون الجنائي المغربي، نعكس من خلاله مجموعة من المقاربات العلمية التي يمكن استعمالها في هذا الشأن للخروج بأفكار منطقية تطابق بين الأدلة العقلية والأدلة النقلية.

المبحث الأول : قراءة سيكولوجية للقانون الجنائي المغربي

لامراء في أن الخصوصية التي يفرضها الجانب النفسي السيكولوجي في البحث العلمي من خلال اعتماده على الطرح الافتراضي[9]  كمنطلق أساسي لدراسة قضايا معينة في مختلف العلوم الإنسانية، يعد باتفاق جميع الفقهاء والدارسين من أبرز وأهم الآليات العلمية المهتمة حاليا بتفسير وتحليل الجانب الخفي المظلم لظاهرة من الظواهر المعروضة للدراسة والنقاش، دلك أن القراءة السيكولوجية في هذا الإطار يمكن اعتبارها من أهم القراءات العلمية على الإطلاق، في شتى الميادين وسائر العلوم، لما لها من اتصال مباشر بالبعد النفسي الذي يستشعره الإنسان بمناسبة احتكاكه مع محيطه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والبيئي…الخ

وهذا الأمر يعد طبيعيا بالنسبة لكائن اجتماعي مثل الإنسان الذي لا يستطيع في كل حال من الأحوال أن يعيش بمعزل عن جماعته بشكل إنفرادي فردي أو أن يتجرد من الأفكار التي تؤطر حياة هذه الجماعة وفق نسق معين، يميل بحسب فطرة البشر التي فطر الله الناس عليها  إلى الإتحاد الشكلي والبنيوي، ويتميز في نفس الوقت بالترابط والانسجام بين كافة العناصر المادية والموضوعية المكونة لفكرة النظام العام والتي يجسدها أحيانا أهل الفقه القانوني في العمومية والسلطة والتجرد، باعتبارها أهم المواصفات التي تتسم بها مختلف القواعد المؤطرة لكافة الواجبات والنواهي المتعلقة بأفعال وأقوال الناس كقواعد الدين وقواعد الأخلاق وقواعد القانون، ولاريب في أن هذا الخليط الفكري المتكون من القواعد الثلاث السالفة الذكر، والموضوعة بلا شك لغاية مثلى أساسها تنظيم سلوك الإنسان في قالب اجتماعي سليم متحضر ينم عن التعايش السلمي والانضباط  الفكري، تجعل جميع الأفراد أو إن صح القول أغلبهم يستشعرون بطريقة ذهنية مدى فعاليتها ونجاعتها في ضبط  فكرة النظام الاجتماعي السليم، وأهميته داخل صرح كل دولة ديمقراطية تقوم على مبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا وفي مقدمتها مبدأي  الحق والقانون، بيد أن كل الأشياء التي تحيط بعالم الإنسان لا يستقيم معناها الحقيقي إلا باستحضار فلسفة نفسية شمولية نابعة من نفس الإنسان، يعبر من خلاله هذ ا الأخير عن رضاه التام نحو هذه الأشياء أو على العكس من ذلك يعبر عن سخطه عنها بشكل جزئي أو كلي، انطلاقا مما تفرضه فكرة المصلحة العامة والخاصة وعلاقتهما مع مجموعة من المفاهيم الكبرى المرتبطة بحياة الفرد من قبيل الأمن والاستقرار والعيش الكريم…

ولا ندل في  ذلك على أن هذه الدراسة السيكولوجية تنطوي فقط على ما هو حسي غير مرئي أو غير ملموس، وإنما هي دراسة تتكئ أولا في دراستها على الجانب المادي كجزء أساسي من القضية المعروضة للنقاش، ومن ثم يتسنى لها  فيما بعد استخراج العنصر الحسي المراد تحليله وتفكيكه، بناء على معادلة منطقية تروم إلى مطابقة العقل بالنقل في الفهم والإدراك أو مصاحبة النفس للأحاسيس الأفراد في الشعور بالخوف أو الارتياح ومن ثم التأكيد على الرغبة في وجودها وملازمتها لهم بصورة دائمة، أوعلى العكس من ذلك اجتثاثها من قاموسهم السيكولوجي بصورة نهائية لعدم رغبتهم فيها، وبناء عليه فإن هذا النوع من الدراسات إذا كان الغرض منه ينصب في حقيقته على جانب نفسي خفي، أي أنه مرتبط فقط بمفهوم نفسي يعكس توجه علم النفس، إلا أنه على العكس من ذلك عندما نستحضر سيكولوجية منطق القانون الجنائي وعلاقته ببعض فروعه من العلوم كعلم النفس الجنائي[10] وهو في اعتقادنا بمثابة حلقة رئيسية وعنصر أساسي في صياغة القراءة السيكولوجية لهذا المقال، باعتباره مجال فكري شاسع يتجدد كلما سنحت له الفرصة ودلك، وتتقاطع فيه العديد من العلوم الاجتماعية والمفاهيم الفلسفية والضوابط القانونية، نذكر منها علم النفس أولا، ومعه في نفس الدرجة علم القانون(السياسة الجنائية والسياسة العقابية)، وعلم الإجرام والجريمة وعلم الضحايا وعلم الأدلة الجنائية،…الخ، وبالتالي يعد الهاجس المشترك الأكبر في اجتماع هذه العلوم وتمازجها، هو دراسة لكل من الشعور والسلوك الإنساني اتجاه الطرح الجنائي وما يتبعه من مقتضيات زجرية وعقابية، وانعكاسها على نفسية الأشخاص، الأمر الذي يجعلها تسعى جاهدة إلى فهم طبيعته السيكولوجية ووصفها، ومعرفة دوافعها، وأشكالها.

 المطلب الأول : دور علم النفس الجنائي في تحليل سيكولوجية القانون الجنائي المغربي

إذا كان علم النفس الجنائي يعتمد عادة في دراسته العلمية على مجموعة من الضوابط المشتركة بين علم القانون وعلم النفس فضلا عن ميوله بصورة دائمة لكل من علم الاجتماع وعلم البيولوجيا[11] بغية تحليل ظاهرة ما، كظاهرة الجريمة مثلا باعتبارها النقطة الأساسية والمحورية في اجتماع هده العلوم وتمركزها في قالب واحد مشترك، إلا أنه وبناء على ما يفرضه عنوان مقالنا هذا ، وانطلاقا من موقع القانون الجنائي بين هذه العلوم السالفة الذكر، سيجعلنا أمام فرضية دراسة القانون الجنائي من زاوية أنه قانون وليس كونه موضوع[12]، ومعنى هذا أن اهتمامنا سينصب فقط على ما يتعلق بفلسفة القانون الجنائي وعلاقته بعلم النفس بعيدا عن الجزئيات التي يتناولها في محاوره الرئيسية من قبيل الجريمة والعقاب والمجرم، حيث إن كل هذه المكونات لا تعدو إلا أن تكون لبنة من لبنات القانون الجنائي وعلاقته بباقي العلوم الجنائية الأخرى ليس إلا.

ومن ثم فإن الطرح القائم بين هذه السطور يفرض منا وضع  علم النفس الجنائي كوسيلة فقط للدراسة السيكولوجية المخصصة للقانون الجنائي، وليس كغاية في حد ذاته، والهدف من هذه المفارقة ليس فقط دراسة السلوك الإنساني بهدف الوصول إلى المعرفة الدقيقة والمحددة لظاهرة سلوكية معينة تختزل مفهوم المجرم والجريمة بوجه عام، وإنما دراسة الجانب الخفي لهذا السلوك وعلاقته بالضوابط القانونية المعمول بها داخل المجتمع، وندل هنا بالأساس على الشعور والإحساس الذي يسبق السلوك الإجرامي المعالج من لدن قواعد القانون الجنائي التي تعمل من تلقاء نفسها، لتبث نوعا خاصا من الانطباعات النفسية الصادرة من الإنسان والدالة على حزمها وجديتها، في تفسير السلوك الجنائي والتنبؤ به وضبطه، ومن هنا يمكن القول أن علم النفس الجنائي يعتبر من الفروع التطبيقية لعلم النفس التي سعت إلى التطبيق العملي لنظريات علم النفس على أرض الواقع.

وفي نفس الاتجاه يرتبط علم النفس الجنائي كما قلنا بسائر العلوم المعرفية عامة والعلوم القانونية خاصة التي تُعتبر أساس القواعد والأنظمة، والقوانين التي توضع من قبل الدولة والسلطة الحاكمة النائبة عنها، ونجد في مقدمة هذه العلوم القانونية قواعد القانون الجنائي بوصفها قواعد تهتم بضبط سلوكيات الأفراد المختلفة داخل المجتمع، من حيث أنها قواعد أمرة يجب طاعتها وعدم مخالفتها. ونظراً لظهور العديد من القضايا والإشكالات التي تتقاطع وعلم النفس والقانون، فقد ظهرت الحاجة إلى وجود فرع مستقل من فروع علم النفس، وفي اعتقادنا المبني على هاجس المعرفة وكشف الخفايا، وكذلك أمام اللبس الحاصل على المستوى المعرفي لبنية القانون الجنائي وعلاقته بنفسية الأشخاص من خلال الطابع الحمائي الذي يقدمه لهم أو الطابع الزجري الذي يستعمله كأسلوب خاص لردعهم ، نرى أن البحـث السيكولوجي هو الأجدر والأقـدر مـن غيـره من العلوم الأخرى، فـي الكشـف عـن النسق الداخلي الذاتي والموضوعي للدور الذي يؤديه القانون الجنائي من موقعه الزجري، ليس فقط داخل كيان المجتمع المغربي، وإنما لفائدة كافة الشعوب العالمية التي تسير على نهج تشريعي  معين موزعة طبقا لقناعاتها الذاتية والفكرية في تقدير الأمور حسب درجاتها من النفع أو الضرر.

ومهما يكن  فإن علم النفس الجنائي في إطار تحليله القانوني وعلاقته بما يفرزه لنا مفهوم القانون الجنائي من الجانب السيكولوجي النفسي، ليس سوى امتداد للنزعـة النفسية التـي طغـت علـى السـاحة العلمية طوال سنوات القرن الماضي[13]، لمعرفة بعض الحقائق الخفية والتي لا يمكن تحصيلها من نفسية الأشخاص إلا عن طريق استعمال مناهج سيكولوجية تعطي الأولوية في الدراسة  لمكانة النفس وما تنتجه من انطباعات وأفكار ومشاعر اتجاه شيء مادي أو معنوي قابل للتحليل والمناقشة. وفي المقابل  نجد فروع عملية متخصصة أخرى بدأت تنشق من فكر جنائي معاصر توازي علم النفس الجنائي في بعض خصائصه، لكن تختلف معه في رؤيته الشمولية للجانب النفسي المتعلقة بكل أفراد المجتمع، حيث  تهدف إلى حصر دراستها في طائفة معينة فقط، كدراسة البعد السيكولوجي والبيولوجي لمجموعة من الأشخاص المجرمين الرافضين للامتثال إلى التعليمات القانونية المفروضة على كافة أفراد المجتمع، بمعنى أن المعادلة العلمية التي يكونها هدا العلم في هذا الإطار تتعلق بشريحة خاصة فقط من الأفراد دون غيرهم، إذ يتعلق الأمر هنا بعلم “الأنتروبولوجيـا الجنائيــة “[14] و هــو حقــل جديــد يخــتص بدراســة الإنســان المجــرم مــن حيــث تكوينــه العضــوي والفزيولــوجي والعقلــي، وقــد اســتعان علــم الأنتربولوجيا هو الأخر بقواعــد المــنهج العلمــي السيكولوجي أثناء عملية الفحص والتشريح في المختبرات العلمية والطبية المعدة لهدا الغرض، مما أدى إلى ظهور جانب مزدوج من الدراسات الاجتماعية  والنفسية، ساهمت إلى حد ما في كشف حقائق كانت مغيبة لسنوات عديدة، ما كانت لتظهر إلا بعد مزج الدراسات الاجتماعية والنفسية في قالب علمي واحد.

 الفقرة الأولى : المفهوم السيكولوجي في بنية القانون الجنائي المغربي

لا يختلف اثنان على المكانة الهامة التي يحتلها القانون الجنائي في نفوس الأفراد(أشخاص طبيعية) وكذلك المؤسسات(أشخاص اعتبارية) في شخص ممثليها، من خلال الدور الرئيسي الذي يؤديه في توفير الحماية اللازمة لهم وكبح وزجر كل ما من شأنه أن يشل أو يعرقل السير العادي لمصالحهم الشخصية، أو للأي مصلحة من المصالح الأخرى سواء أكانت عامة أو خاصة، فلا يمكن إطلاقا لهؤلاء الأفراد أو المؤسسات الاشتغال في جو يغيب عنه الطابع الزجري،  كما لا يمكن لهم الاندماج بشكل صحيح في دواليب المجتمع وما ينتج عنه من ضوابط أخلاقية وروابط أسرية وعائلية وعلاقات شخصية وقانونية ومهنية…،وبالتالي الاستمرار في ممارستها بشكل يومي عادي في جو طبيعي ملائم، إلا إذا كانت هناك آليات زجرية تجعلهم مطمئنين لها ومعتقدين اعتقادا تاما أنها بمثابة حماية خاصة لهم، تعاقب ليس فقط من قام بفعل يعتبر جريمة في نظر القانون، بل تتعداه وتصل أيضا إلى كل من سولت له نفسه محاولة الاقتراب فقط منهم بسوء نية لتهديد مصالحهم، الشيء الذي يجعل معه فكرة العقاب لازمة وحاضرة بقوة بناء على ما يفرضه منطق القانون الجنائي في تعامله مع هذه الأحداث في إطار الشرعية. ومن هنا تبرز الخاصية الأساسية للقانون الجنائي في بعث الطمأنينة والسكينة بين الأفراد لممارسة حياتهم الطبيعية انطلاقا مما كلفوا به أو تعاقدوا لأجله.

إن الدور الطلائعي الذي يقدمه القانون الجنائي من خلال فلسفته السيكولوجية تؤكد لنا حتما مدى نفعيته وأهميته القصوى بين الناس من خلال ما يستشعرونه هؤلاء ويحسون به اتجاه قواعده الزجرية، ولا ندل في ذلك على أن هده القواعد لولاها لما كان لهؤلاء العيش بسلام وأمان، وإنما يمكن القول أن هذه القواعد ساهمت إلى حد بعيد في استتباب الأمن وفرض قوة القانون على كل الأفراد دون أي تمييز بينهم، بعدما أصبحنا نرى وبكل أسف وحسرة تراجع حاد وخطير لقواعد الأخلاق في صفوف أفراد المجتمع، وليس المجتمع المغربي وحسب وإنما كافة شعوب العالم إن صح القول، وقد يلاحظ البعض أن قواعد الأخلاق ليست هي الوحيدة التي تراجعت حدتها بين الناس على حساب استقواء قواعد القانون فكريا وعمليا، بل حتى قواعد الدين هي الأخرى تراجعت بشكل يدعو للخوف والقلق على حساب قواعد القانون ولا سيما قواعد قانون الجنائي، فالكثير من الأفراد لم يعد تستهويهم عبارة قواعد الدين بسبب جهلهم لها أو عدم رغبتهم في معرفتها أصلا، ودلك مرتبط حسب اعتقادنا الجازم بالانحلال الثقافي الخطير الذي أفرزته العولمة وتداعياتها السلبية على المستوى الفكري والعقدي، مما يجعل هؤلاء يعتقدون أنهم أحرارا في ارتكاب ما يحلو لهم من أفعال يرونها من وجهة نظرهم بسيطة أو مسلية لهم، في حين أنها مضرة للأشخاص آخرين أو ربما لكافة أفراد المجتمع دفعة واحدة، وبالمقابل نجدهم يكنون احترما خاصا لقواعد القانون الجنائي مخافة وقوعهم في دائرة العقاب الزجري الذي يتميز به القانون الجنائي في هذا الإطار، فلهذه الأسباب يمكن القول أن الفلسفة التي يقوم عليها القانون الجنائي تجعله يطل علينا في هذا الإطار كمخزون احتياطي لترميم قواعد الأخلاق التي تلاشت مع الوقت من جهة، وإعادة إحياء قواعد الدين التي تجاهلها العديد من الأشخاص من جهة ثانية، ودلك من زاوية تفعيل وتشغيل الشق المتعلق بالتعزير وتفريد العقاب الدنيوي، لمواكبة كل المستجدات والتطورات التي تعرفها الجريمة والمنابع التي تترعرع فيها، ولا يهمنا في ذلك اديولوجية قواعده هل هي طبيعية؟ أم وضعية؟ مادامت أنها تفي بغرضها الرئيسي المتمثل في الزجر والردع. ومعه نستنتج أن القانون الجنائي من الناحية السيكولوجية يؤثر فعلا في ضبط نفوس الناس وسلوكهم من مختلف الزوايا، بناء على ما تتضمنه نصوصه الزجرية التي تعمل وفق مؤشر جلب المصلحة ودرء للمفسدة، إذ أن فرضية ترك المجال للأشخاص في حماية حقوقهم والدفاع عنها بما يناسب منطق الغاب تعد -عبثاـ في بنية النظام السياسي الذي تعتمده الدولة، وبالتالي فإن قواعد القانون الجنائي لها اثار حميدة على منطق سيكولوجية الأشخاص وتفاعلهم الإيجابي داخل المجتمع، على أساس أن هده الآثار لا يمكن رؤيتها وملامستها إلا بوجود عناصر معينة وهي موضوع فقرتنا الموالية.

 الفقرة الثانية : العناصر الحسية لقواعد القانون الجنائي

تتخذ العناصر الحسية لقواعد القانون الجنائي رمزا دلاليا على التفاعل الحاصل بين سيكولوجية الأفراد الباطنية وسلوكهم الظاهر على مستوى الواقع، حيث أن هذه المعادلة لا يمكن لها ان تستقيم في مدلولها الواقعي المبني على الحكمة والمنطق إلا إذا كان هناك تطابق تام بين الفكر الذي يمثله الشعور في المنهج السيكولوجي، وبين السلوك الذي يمثل صورة النتيجة الحتمية للفكر السيكولوجي مهما كانت صفاته حميدة أم مذمومة، فحيثما كان الشعور والفكر مضطرب كان السلوك معه مضطربا أيضا، وكلما كان الشعور والفكر مستويان وإيجابيين في الضبط إلا وكان معه السلوك إيجابيا أيضا، وهذه المعادلة التي سقناها لشرح مفهوم التطابق الحسي والفكري كنتيجة طبيعية لتفاعلهما، تؤسسها من وجهة نظر علم النفس الجنائي عناصر حسية معينة، قمنا باستخلاصها من حتمية القواعد الجنائية ومدى تأثيرها الإيجابي على سيكولوجية الأشخاص في حياتهم الطبيعية، ومن العناصر التي يمكن اختزالها من الدور الذي يؤديه القانون الجنائي داخل المجتمع في هذا الصدد نجد :

 أولا: عمومية النص الجنائي وبلورته للوظيفة الأخلاقية

يضطلع القانون الجنائي بمهام جسام لا نجدها صراحة في باقي القوانين الأخرى، ذلك أنه من منطلق الهاجس الزجري الذي يظهر به القانون الجنائي داخل المنظومة التشريعية، نجده يقوم ببلورة وظائف مهمة في الوسط الاجتماعي وفي مقدمتها الوظيفة الأخلاقية لدى كافة أفراد المجتمع بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ذلك أن فكرة العقاب في هذا الإطار تعد وسيلة نبيلة وغاية مثلى لنشر فكر أخلاقي بين الناس، يقوم على التعاون واحترام الأخر في ذاته  وفكره وحقوقه.

ولما كانت الوظيفة الأخلاقية للقانون الجنائي تنطوي على فلسفة شمولية تهتم بكل جزئيات الحياة الكريمة للأشخاص داخل أوطانهم بما يضمن لهم التعايش في جو سلمي يلائم تطلعاتهم وطموحاتهم، فإن قواعد القانون الجنائي في إطارها العام لا تخص طائفة معينة من شريحة المجتمع ولاسيما شريحة المجرمين الذين نالهم العقاب بسبب تطاولهم على مصلحة يجرمها القانون الجنائي، بل إن الأمر مرتبط بكل الشرائح الاجتماعية المكونة للإقليم معين التي تسود ضمنه قواعد الجنائي ارتباطا بفكرة السيادة.

ومن الطبيعي جدا أن تظهر أهمية هذه الوظيفة التي تقوم بها قواعد الجنائي في هذا الإطار بسبب تميزها القانوني وحرصها التام في السهرعلى ضبط سلوك الأفراد وتخليق الحياة العامة من خلال تحقيق مبدأ العدالة، ونشر القيم الأخلاقية بين الناس التي توارثت كأعراف وعادات داخل المجتمعات البشرية من جيل للأخر. وخصوصا إذا تحدثنا عن المغرب بوصفه بلدا محافظا وطابعه الأصيل المتميز بين دول المعمور، الغني بالأعراف والعادات الاجتماعية الحميدة التي توارثت عبر حضارات إسلامية عديدة مرت وسجلت في صفحات التاريخ الرسمي للمملكة المغربية.

ولا ننسى في هذا الإطار أن لمبدأ التفريد وكذلك مبدأ الشرعية كان لهما دورا كبيرا في جعل هذا الجزاء الجنائي يمتاز بهذه الخاصية، فإذا كان الجزاء الجنائي يعتبر في حد ذاته وسيلة تساعد الجاني على تحسين وتقويم سلوكه، من أجل إعادة إدماجه داخل المجتمع في شكل سليم، فإنه في نفس الوقت يعطي إشارة ضمنية للإعادة إحياء النظم الأخلاقية وترميمهما بين أفراد المجتمع على نحو يرضي الجميع، وبالتالي إزالة التصور الذي كان يحيط بالجزاء الجنائي والمتمثل في اعتباره مجرد وسيلة لإنزال العقاب على الجاني فقط، بقدر ماهو أداة لإصلاحه وتقويمه.

ثانيا : القانون الجنائي حارس خاص لحقوق الأفراد

يعد القانون بناء على دلالته الوظيفية أحد أهم الأليات المتعلقة بحماية حقوق الأفراد وصيانتها من كل إعتداء من لدن الغير، وهكذا فمن المستحيل من منطلق الفكر القانوني أن يكون الشخص هو الحامي لنفسه من الهلاك والإعتداء والحارس لحقوقه من الضياع في غياب ضوابط قانونية صارمة، تقوم نيابة عنه بحمايته في نفسه أولا ثم  في مجموع حقوقه ثانيا، وبالتالي تجعله في غنى تام عن استعمال أسلوب الغاب المبني على منطق الدفاع عن النفس والبقاء للأقوى، استنادا لتفاعل محور القانون مع محور الحق، ومن ثم فلا يمكن للأي كان سواء  مؤسسات أوافراد حماية حقوقها المادية والمعنوية دون وجود آليات زجرية تضبطها الدولة في قالب جنائي، تعاقب من خلاله كل من تجرأ عدوانا وظلما وبسوء نية، نزع ما يملكه الغير أو هلاكه وتخريبه، دلك أن الفكر السيكولوجي الممتد على مدى قرون من الزمن بواسطة فلاسفة ومفكرين وعلماء النفس، أقر بشكل صريح في العديد من الدراسات الفلسفية أن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان في عموم مصالحه الشخصية سواء تعلق الأمر بأهله أوماله أوعرضه، ومعنى دلك أن نزوات البشر التي تستجيب لمنطق الشر كبوابة رئيسية لتحقيق مأربهم العدوانية ضد مصالح معينة في ملك العموم أو الخواص، لازالت مستمرة ولن تنقطع أبدا أبد الدهر مادامت أنها صفات نابعة من نفس الإنسان، فالجشع والطمع والحسد والبغض سيمات رئيسية في حياة الإنسان لم يسلم منها أحد، إلا إذا اصطدم فكره مع عقيدة فكرية تضبط نزواته وتجعلها مستقيمة، أو مواجهته لخطر مادي يمثله القانون في شكل عقوبة تمس بدنه أو حريته أو ماله، وهدا ما يقوم به القانون الجنائي في هدا الإطار، حيث يقوم بجمح كل ما من شأنه أن يشكل خطرا على مصالح البلاد والعباد. ففكرة الحماية التي يقوم بها القانون الجنائي انطلاقا من نصوصه الزجرية واضحة وظاهرة للعيان يعرفها العادي قبل المتخصص، ومن ثم فإن الوصف الذي ينطبق على دور القانون الجنائي في هدا الإطار هو الحارس الأمين لحقوق الأفراد والمؤسسات.

ثالثا : القانون الجنائي وفكرة العقاب

يختلف القانون الجنائي عن باقي القوانين الأخرى سواء من حيث المضمون أو من حيث الهدف والنتائج المترتبة عنه، فهو مجال تتقاطع فيه جميع الأحكام القانونية التي زاغت عن مسارها العادي ودخلت إلى المجال المحرم المؤطر بموجب مقتضياته الزجرية، فبيع ملك الغير بالرغم أنه في الأصل عمل مدني بطبيعته إلا أنه يخضع لضوابط القانون الجنائي بإعتبار أن هدا العمل يعتبر جرما، والشخص التاجر الذي يقوم بمنح شيك بدون رصيد كضمان لمعاملته التجارية، فبالرغم ان هذا العمل يعتبر من صميم العمل التجاري، إلا أنه يخضع هو الأخر لنصوص القانون الجنائي باعتباره صاحب الولاية في الشأن، والمشغل الذي يشغل العمال بدون تقييدهم في السجل الخاص بالشركة وتسجيلهم في الضمان الإجتماعي يعتبر هو الأخر جرما ينظمه القانون الجنائي على الرغم أن هذا الأمر يدخل في نطاق قانون الشغل…الخ، والأمثلة كثيرة على دلك، ومن ثم نستشف أن الفكرة التي تميز القانون الجنائي عن غيره من القوانين هي فكرة العقاب، فكل الأفراد باعتبارهم رعايا دولة ما داخل نطاق إقليمي معين ملزمون بالامتثال لنصوص القانون الجنائي، و في نفس الوقت الاحتراس منها  ومن عواقبها الوخيمة وعقوباتها الجنائية المترتبة عليها في حالة عدم إتباعها. على أساس أن كل جريمة تتكون من أركانها الجنائية المتمثلة في الركن القانوني والمعنوي والمادي.  وقد يصل بعضها إلى حد فرض عقوبة الإعدام في بعض الأنظمة القضائية كجزاء جنائي للجرائم البالغة الخطورة، وإذا تأملنا خطورة عقوبة الإعدام من حيث أنها فكرة ردعية مميتة، تظهر كلما ظهرت جرائم تلائم طبيعتها الزجرية، فمن المؤكد أن هده الجرائم وبالرغم من وجودها في واقعنا الراهن، إلا أنها أقل انتشارا من الجرائم الأخرى الأقل منها حدة كالسرقة والضرب والجرح وخيانة الأمانة…الخ،دلك أن الجرائم المؤدية إلى عقوبة الإعدام يحترس منها الأشخاص ويتخذون كافة الاحتياطات اللازمة مخافة الوقوع فيها، ونعتقد أن هدا الخوف المتولد من فكرة عقوبة الإعدام مثلا ما هو إلا دليل قاطع على الجانب الحسي الذي يفرضه نظام القانون الجنائي داخل المجتمع، وبالتالي فإن قواعد القانون الجنائي من هذا المنطلق تؤثر بشدة في الجانب النفسي للأشخاص، ولا نظن أن هذه القواعد الزجرية تتطلب لفهمها درجة من العلم أو المعرفة لتؤثر على نفسية الأشخاص على نحو إيجابي يبتعد من خلاله المرء عن كافة المحظورات التي يعاقب عليها القانون الجنائي بموجب نصوصه، بل إن الأمر يتطلب فقط استعمال العقل للتمييز بين ما هو صالح وغير صالح، وبين الخير والشر، والنفع والضرر.

ومن جانب أخر يمكن أن تكون عقوبات جسدية أخرى على غرار عقوبة الإعدام كالجلد وقطع اليد مثلا المعمول بها في بعض الأنظمة العربية بإعتبارها حد من الحدود سيرا على نهج الشريعة الإسلامية، التي تعمل بمنهج الردع العام القبلي أو الإستباقي، تردع من خلاله كل من سولت له نفسه تجاوز الأنظمة المعمول، بينما يمكن زج الأفراد في السجن أو الحبس بحالات مختلفة بحسب النظام القضائي الممارس في تلك الدولة، ويمكن أن يكون السجن انفرادياً، أو جماعيا، وتتراوح مدة السجن من يوم إلى مدى الحياة(مؤبد).وفي الأخير تطل علينا العقوبة المالية، كأخر أنواع العقوبات وأقلها حدة من سابقها حيث يمكن فرض الغرامات المالية ومصادرة أموال المدان وممتلكاته الخاصة.

المطلب الثاني  : خصوصية الصياغة الجنائية أو الخطاب الجنائي:

يزخر الخطاب الجنائي باعتباره المشهد الرسمي لبنية القانون الجنائي المغربي، بحمولة مهمة من العبارات والألفاظ القوية الدالة على حزمه وصرامته في تعاطيه  وتفاعله مع مختلف الأفعال(في صورتها ايجابية والسلبية) والأقوال الصادرة عن الأشخاص، ومعالجتها طبقا لمبدأ  العقاب الذي يطغى بشكل أساسي على المشهد الخطابي الجنائي، كدلالة رمزية على زجر كل ما من شأنه أن يشكل خطرا على وحدة التماسك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لبنية الدولة، التي تتكفل برعاية مختلف المصالح الكبرى داخل إقليمها الجغرافي من مؤسسات عامة وخاصة، وأفراد طبيعية واعتبارية، وقيم عقدية وفكرية…

ومما لا شك فيه أن هده الفئات من المصالح التي حصرناها في قالب ثلاثي وعلى امتداد أسمائها واختلاف أصنافها وعدم التماثل في طبيعتها القانونية، تعتبر النواة الفعلية لميلاد القانون الجنائي باعتبارها الجهات الرسمية المستهدفة بالأساس بمضامينه الزجرية والمخاطبة بالدرجة الأولى بأحكامه العقابية، من زاوية الحماية التي يوفرها لها بموجب نصوصه وفصوله القانونية، ذلك أن هذا القانون لم يكن ولا يمكن له أن يتبوأ مكانه الطبيعي البارز في المنظومة القانونية كما نراه اليوم، أو أن يظهر  أصلا في الواقع مع باقي الفروع القانونية الأخرى بالرغم من أقديمته على بعض الفروع القانونية الحديثة، إلا بعد أن ظهرت تجاوزات خطيرة عجزت عنها الجهات المكلفة بتطبيق القانون في التفاعل معها بموجب القواعد المدنية التي تعالج مختلف معاملاتها في قالب مدني صرف، يقوم على مبدأ التعويض الناتج عن الضرر الذي لحق بمصلحة من المصالح التي يحميها القانون، دون الاكتراث إلى هاجس العقاب الذي يعد من صميم العمل الجنائي فقط ،ومن ثم كانت الحاجة الملحة لهذا الأخير كردة فعل مناسبة، لوضع أسس جديدة تقوم على تحمل المسؤولية في التبعات الجنائية وما تفرضه من عقوبات رادعة، تتجلى في صور زجرية عامة منها ما هي تقليدية كالعقوبة السجنية والعقوبة الحبسية ويطلق عليها بالعقوبة الأصلية[15]، وأخرى حديثة يطلق عليها بالعقوبة أو العقوبات الإضافية[16] وهو مصطلح جديد أقرته جميع التشريعات الجنائية الدولية الحديثة. بالإضافة إلى التدابير الوقائية[17]  التي تشكل وجها جديدا للعقوبة الجنائية من خلال تركيزها على الشق الشخصي والعيني للشخص المعاقب بعقوبة جنائية معينة.

وعلى هذا الأساس نجد القانون الجنائي المغربي من خلال المجموعة التي تناولته وبوبته وفق ثلاثة كتب مجزءة لعدة أجزاء، قد استفاض في تحديد مختلف العقوبات الزجرية المتداولة على الصعيد العالمي والمنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، والتي تفيد بأن التشريع الجنائي المغربي ما هو إلا امتداد للفكر اللاتيني الجرماني، إذ أخد فعلا جملة من الأحكام القانونية الخاصة بالمدرسة اللاتينية الجرمانية، باعتبارها الأساس التشريعي للمعاهدات والاتفاقيات الدولية،  بالإضافة إلى أحكام أخرى نابعة من مدرسة الفقه الإسلامي-المالكي-.

وهكذا فمن خلال التركيبة البنيوية التي تضمها المحاور الأساسية لفهرس مجموعة القانون الجنائي المغربي، نجد أن طبيعة العقوبات المقررة للجزاء الجنائي قد اختزلها المشرع الجنائي حصرا كما قلنا في ثلاثة مبادئ وهي عقوبات أصلية وعقوبات إضافية بالإضافة إلى تدابير وقائية، والأصل في هذا التنوع الذي يعرفه التشريع الجنائي المغربي يعكس التطور الفكري الذي لحق مبادئ القوانين الجنائية العالمية وأثر فيها شكلا ومضمونا بفضل فلسفة المدارس الفكرية التي كان لها السبق في الدعوة إلى مراجعة وتطوير الترسانة التشريعية الجنائية وجعلها أكثر مطابقة  للواقع الإنساني، في إطار أنسنة العقوبات السالبة للحرية القصيرة والطويلة الأمد، ولما كان التشريع الجنائي المغربي في  القانونية المحددة لمختلف الجرائم ومختلف العقوبات، قد استجاب   للتطور الجنائي الفكري قصد ملاءمة الواقع مع القانون، فهذا يدل على أن الخصوصية السيكولوجية للأفراد المجتمع المغربي قد تطورت هي الأخرى مع التطور الحاصل في الخطاب الجنائي، ذلك أن المبادئ التي يتناولها القانون الجنائي المغربي من خلال خطابه كمبدأ الشرعية مثلا، تجعل الأفراد في موضع راحة واطمئنان من أي متابعة كيدية ظالمة ينتج عنها تجريم لفعل لا يعد جرما، أو حكم قضائي جائر لا يستند على ضوابط قانونية من الناحية الشكلية، إذ أن كل إجراء قانوني لا يستند على الشرعية يعتبر باطلا بقوة القانون، ولا يمكن إثارته أبدا أمام الجهات القضائية المختصة.

وبما أننا نتحدث هنا عن الجهة الرسمية المنوط لها تطبيق قواعد الجنائي داخل إقليم الدولة، والممثلة في السلطة القضائية دون سواها من الجهات الأخرى،  فإن المنطق يقضي بوجود مسبق لمؤسسة قضائية مستقلة تحكم بين الأفراد في كل نزاعاتهم القانونية عامة ونزاعاتهم الجنائية خاصة، وهكذا فسيكولوجية الخطاب الجنائي المبنية على ازدواجية التجريم والعقاب، تروم أولا إلى حصر الأفعال والأقوال المجرمة بواسطة نصوص قانونية، ثم تحديد العقاب المناسب لها في نفس النصوص السالفة الذكر، ومعنى هذا أنه لا يمكن تطبيق العقاب على الجرائم المرتكبة إلا بواسطة مؤسسة القضاء الزجري، لان تدخله في هذا الإطار يعتبر اكبر ضمانة لحرية الأفراد والمؤسسات إلى جانب الضمانات الأخرى كمبدأ الشخصية في العقوبة[18] ومبدأ المساواة بين الأفراد، مع العلم آن مبدأ التقاضي أمام المؤسسات القضائية الزجرية والمبني على درجات في التشريع المغربي، يعكس في حقيقته فكرة نظامية أساسها العدل والعدالة ومركزها دولة الحق والقانون، دلك أن الجريمة بمختلف درجاتها وصورها ماهي إلا حدث أواقعة جنائية، تنشأ حق الدولة في العقاب وتخلق رابطة قانونية لا بين الجاني أو الضحية، وإنما أيضا بين الدولة كشخص معنوي ممثلة في مؤسسة القضاء وبين الجاني ليتحمل مسؤوليته الجنائية عما ارتكبه من جرم.

الفقرة الأولى : الصياغة الجنائية ترغيب أم ترهيب ؟

تجسد الصياغة الجنائية في حقيقة أمرها نظاما قانونيا مزدوجا بين متضادات فكرية وحسية، تختزل العديد من العناصر النفسية المتعلقة ببيئة الإنسان وفطرته الطبيعية كالمشاعر والأحاسيس والانطباعات والمعتقدات ….الخ،  ذلك أن هذه الازدواجية تجعل منها مركبا “سيكولوجيا” عميق الأبعاد، متشعب التجليات، كثيرا ما تتداخل عناصره وتتضافر مكوناته، من أجل إثراء هذا النظام المركب من خليط مادي ومعنوي، ومن المعلوم أيضا أن المقتضيات القانونية التي يتضمنها القانون الجنائي ويؤطرها في مجموع أقسامه أي بمفهومه الشامل والدي يضم كل من القسم العام والخاص والمسطرة الجنائية بالإضافة إلى باقي العلوم والمفاهيم الجنائية الأخرى التي تنضوي تحت لوائه، وعلى رأسها السياسة الجنائية تجعلها في طليعة القوانين الموضوعية التي يستشعرها المرء في محيطه، ويدرك تمام الإدراك أن الاحتكاك بها أو حتى الاقتراب من دائرتها تجعله يحس بخطر سيحدق به كلما توفرت الشروط اللازمة لقيام هدا الأمر، وما الأفعال والأقوال التي يجرمها القانون الجنائي بواسطة فصوله إلا صيغة خاصة من الصيغ التي يعتمدها القانون الجنائي من أجل الترغيب والترهيب في نفس الوقت، فالإحساس بالرغبة في وجود قواعد زجرية تعتبر أهمية قصوى للأفراد والمؤسسات من أجل حمايتهم وحماية مصالحهم، فالناس كما قلنا في مطلع المبحث السابق تختلف أفكارهم من شخص للأخر، وفي بعض الأحيان نجد ثقافة بعض المجتمعات أقوى من القوانين الزجرية المعمول بها في محيطهم الاجتماعي، ومع ذلك فلابد من القواعد الزجرية تحسبا للأي طارئ، فإذا وجدنا في مجتمع معين عددا محترما من الأفراد الصالحين، فهذا لا يعني أنه لا يوجد بينهم شخص غير صالح ويتطلع لهدر مصالحهم كلما سمحت له الفرصة للقيام بدلك، ومن ثم فإن رغبة الناس في وجود ترسانة من القواعد الزجرية تجرم كل الأفعال والأقوال الضارة بمصالحهم أمر في غاية الأهمية، ولازمة لهم في كافة الظروف حتى وإن سلمنا بفرضية المجتمع الصالح أو المدينة الفاضلة كما يعبر عنها الفيلسوف اليوناني أفلاطون في كتابه جمهورية أفلاطون.

وأما الترهيب فهو ذلك الجانب المقابل من القراءة السيكولوجية من زاوية الإعتداء بمعنى أنها رؤية خاصة للشخص المعتدي، ذلك أن القواعد الزجرية من مدلولها السيكولوجي تعمل على ترهيب وترويع المجرمين أو كافة الأشخاص الدين توفرت لديهم النية الإجرامية أو أنهم على استعداد لمحاولة ارتكاب فعل جرمي يجرمه القانون الجنائي، مما يجعل القواعد الجنائية تلعب دورا محوريا في محاربة الجريمة انطلاقا من فكرة الترهيب التي ترسلها لهؤلاء كإشارة ضمنية لكل من أراد خرق القواعد القانونية المعمول بها.   وفي الواقع أن الإحساس بالرهبة والخوف من النواهي التي وضعها المشرع الجنائي في شكل قواعد أمرة لا تقبل المزايدة عليها، حيث تجعل القواعد الزجرية من منطلق وظيفتها القانونية تشكل في حد ذاتها القلب النابض للقانون في عموميته، كما تعكس الفهم القوي لعلم القانون وتمييزه عن باقي العلوم الأخرى التي تندرج في مصاف العلوم الإجتماعية.

إن الخطاب الجنائي في شموليته يمكن اعتباره سلاح دو حدين، إذ يقوم بالتحذير من الوقوع في أي صورة من صور الجرائم المذكورة حصرا في المجموعة الجنائية، وفي نفس الوقت يعاقب كل الأفعال والأقوال التي صدرت من الأشخاص أو المؤسسات، ولعل هذه الإزدواجية جعلت من قواعد القانون الجنائي تتبوء مكانة رفيعة بين الناس من خلال الخطورة التي يستشعرونها كلما دنوا من قواعده، وبالرغم من ذلك فإن العقوبة الجنائية يكون هدفها في بعض الأحيان هــو إحــداث التكيــف الاجتمــاعي اللازم في كل الأوقات للإعادة ترميم وإصلاح الإنفلات الإجتماعي والأمني الذي حصل داخل المجتمع، فهــي لا تــدخل فــي اعتبارهــا السلوك الإجرامي و إنمـا تراعـي مسـتقبله حتـى لا يقـع المجـرم فيـه مـرة أخـرى، وهـي تـدابير مفروضــة مــن الدولــة لصــالح الجــاني و المجتمــع، ومن ثم نجد  أن العقوبة  لها بعد زاجر وبعد آخـر إصـلاحي، فإذا ما نظرنا إلى السياسـة الجنائية التي تؤطر المشهد العام لقواعد القانون الجنائي، سنكتشف أن العقوبة تحـدد نسـبة الزجـر فـي الجـزاء مقابـل نسـبة الإصـلاح، فقـد تكـون الحاجة إلـى زيـادة جرعـة الزجـر فـي العقوبـة المقـررة، و قـد يكـون العكـس فـي وقـت آخـر، وهـذه الوظيفـة المعقدة التي تقوم بها السياسـة الجنائيـة من خلال تحديد وقت التغيير ومقداره، تؤكد لنا الطرح الجنائي المزدوج المبني على الترغيب والترغيب أو الزجر والإصلاح كمـا يراهـا فقهاء القانون الجنائي، لذلك فمن من الواضح أن القانون الجنائي تم إعداده للترغيب أولا ويكون هدا الأمر قبل إيقاع العقاب ثم الترهيب ثانيا ويكون بطبيعة الحال إبان ايقاع العقاب، وللإدراك هدا المعطى فإن القانون الجنائي يعتمد على خمسة أساليب ندرجها في الفقرة الموالية.

 الفقرة الثانية : الأساليب الزجرية للقانون الجنائي :

يتساوى الناس أمام القضاء عموما والقضاء الجنائي على وجه الخصوص في تحمل المسؤولية الجنائية وما يترتب عنها منها عقوبات رادعة، ذلك أن القانون الجنائي وبنا على ما يحمله من نصوص جنائية صرفة يعامل الأشخاص على قدم المساواة لا يهمه في دلك نسب الشخص أو صفته أو مكانته الاجتماعية، و يحملهم المسؤولية بحسب الذنب الذي يرتكبونه والنصوص القانونية تتصف بصفة التجريد و العموم، تطبيقا للمبدأ العام القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، والمسؤولية في هذا الإطار لا نعني بها تكليف إداري أوبمهمة إدارية نابعة من قرار إداري يقضي بتدبير مصلحة إدارية معينة، وإنما نعني بها تحمل تبعات التصرف الذي يقوم به أي شخص راشد وعاقل ومدرك،  ومن هذا المنطلق فإن القانون الجنائي يعتمد على خمسة أساليب مستخدمة عالميا في تنفيذ عقوباته الزجرية وهي: القصاص، والردع، والتعجيز، وإعادة التأهيل، والتعويض. وتختلف درجة ممارسة كلٍ من بحسب الأنظمة القضائية ونوع المخالفة.

القصاص (Rétribution) تفرض فكرة القصاص في السياسة الجنائية جانب خاص من التطبيق المادي والمعنوي للعقوبة الجنائية في نظامها الشرعي والقانوني، فالقصاص يروم إلى مطابقة الفعل الإجرامي بالعقوبة، إد يحتم على المجرمين الإحساس بنفس المعاناة التي أحس بها المعتدى عليه ، وهذا هو المبتغى وراء استخدام هذا الأسلوب. والقصاص هو أشد العقوبات التي ينالها المجرمون في النظام الجنائي بسبب الضرر الجسيم الذي يلحق بهم في جسدهم، فإن القانون الجنائي سيضع المجرمين في موقف لا يحسد عليه بغية “تحقيق القسطاس”. فالقاتل يقتل، والمعتدي يعتدى عليه في أحد أعضاء جسده، وهدا المنهج مأخوذ من فكرة “تساوي كفتي الميزان”. أي الجزاء من جنس العمل.

الردع (Deterrence) هو فرض عقوبة جنائية على المتهم تساهم في جعلهِ يتجنب القيام بالجريمة مجددا، ويشمل الردع على الحبس، أو فرض مبلغٍ مالي. ويهدف هذا الأسلوب إلى ردع المذنب عن طريق فرض عقوبة وافية لكبح وإضعاف عزيمة المذنب وتخويفه من ارتكاب السلوك الجنائي لشدة الجزاء المترتب عن فعله. وأسلوب الردع نظام دفاعي وهجومي في نفس الوقت يهدف إلى ردع الشخص المذنب بصفة خاصة وللأفراد المجتمع ككل. دلك أن تطبيق العقوبة الجنائية على مرتكبي الجرائم، تعمل على تخويف الأفراد الآخرين من ارتكاب الجرائم ذاتها.

التعجيز (incapacitation) عبارة عن منع قانوني يسعى إلى إبعاد المجرمين وقصرهم عن المجتمع حتى يأمن من شرهم. ويتحقق هدا الأمر في شقين أساسيين يتعلق الأول بفرض عقوبة السجن لمدى الحياة أو الإقامة الجبرية. وأما الثاني فتخدمه في هدا الإطار كل من عقوبة الإعدام وعقوبة الطرد أو النفي خارج الدولة الغاية المثلى لهدا الغرض المتعلق.

إعادة التأهيل (Rehabilitation) نظام جنائي قائم بذاته يهدف إلى تحويل المذنب من شخص سلبي إلى شخص إيجابي وفرد فعال في المجتمع، وإعادة التأهيل من وجهة نظر عل العقاب تعد من العقوبات الفعالة والمنتجة، التي تساهم في تحويل طاقات وقدرات المجرم من ارتكاب الجريمة إلى الاستفادة منها في خدمةِ المجتمع، من خلال تعليم المجرمين مجموعة من المهن الحرفية وإعادة تكوينهم في مجموعة من المجالات والأشغال العامة التي تساعدهم في الحصول على شغل بعد انتهاء فترة عقوبتهم، إذن فهذا الأسلوب الزجري يروم إلى تفادي المزيد من ارتكاب الجرائم، وذلك بإقناع المذنب بمدى الخطأ الجسيم من جراء سلوكه المنافي للمجتمع.

التعويض(Restitution)  هو عبارة عن نظام خاص يقوم في بعض الأحيان مقام العقوبة في شقها المالي فقط، فهو إذن نظام  يعتمد فيها نظام العقوبات على تعويض الضحايا. هدفه الأساسي إصلاح ماتسبب به المذنب من إيذاء للضحية بناء على حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به. وهو ما يسمى في إطار السياسة العقابية بالعدالة التصالحية أو التعويضية المبنية على فكرة التصالح أو الصلح مقابل تعويض معين كما أشار إلى ذلك الله عزوجل في كتابه الحكيم في الأية 92 من سورة النساء(ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة  مؤمنة ودية مسلمة للأهله) ، ومن هنا نستنتج أن التعويض في القانون الوضعي يقابله في القانون الطبيعي مصطلح الدية.

المبحث الثاني : قراءة ابستيمولوجية للقانون الجنائي المغربي

تشكل القراءة الإبستمولوجية[19] عموما لحظة متميزة جدا لمناقشة مختلف الأفكار والنظريات التي تؤطر موضوع النقاش من وجهة نظر معينة، فهي تجعل القارئ لها باعتباره باحثا ومحللا إبستومولوجيا، ينطلق من فكرة أساسية مفادها أن كل المعلومات والأفكار التي لها ارتباط مباشر أو غير مباشر بجوهر الموضوع المطروح للمعالجة والنقاش تعد من الناحية العلمية مفيدة له ومهمة، ويمكن استعمالها لهدا الغرض العلمي الذي يسميه الباحثون في هذا الميدان بالأدوات الفنية المخصصة للطرح الإبستمولوجي، بمعنى أنه  يبحث في كل الاتجاهات مهما اختلفت رؤيتها وبنيتها الموضوعية والشكلية، أي أنه ينطلق من كل صغيرة وكبيرة لتأسيس قاعدة البيانات الخاصة بالدراسة الإبستيمولوجية، ويعتمد في نفس الوقت على كل رأي مساند ومعارض يفيد طرحه الإبستمولوجي، الرامي أساسا إلى بناء حقائق معرفية معينة وترميمها وفق نسق علمي متين يقوم  على الجدال والبحث والمناقشة من كل الزوايا الممكن استحضارها لهذا الغرض.

وعلم الإبستيولوجيا في واقع الحال لا يعد غريبا للإثارة هده المواضيع الهامة مثل موضوع القانون الجنائي من موقعه الإستراتيجي داخل المنظومة التشريعية وجعله في صلب اهتماماته العلمية، ولا سيما أن مثل هذا الموضوع المتعلق بالقانون الجنائي وبيان مصادره لم ينل من العناية ما يكفيه، في ظل التطورات التي تعرفها نصوصه القانونية من وقت للأخر.

ومع ذلك لم يستطيع أحد من الباحثين استخدام هذا العلم الهام في التحقيق من هوية القانون الجنائي المغربي وبيان مصادره الأساسية التي أطرت مبادئها العامة وتخصيص قواعده الجنائية والعقابية، علما أن علم الإبستمولوجيا من خلال تشعبه في طرق المناهج المعتمدة في بنيته العلمية، جعلته ينفرد بخصوصية لم يسبق أن تميز بها علما أخر نظرا لمحاولاته الجاهدة في تسليط الأضواء على مختلف المعارف التي كانت بالأمس يستحيل مناقشتها وتحليلها.

أجل إن علم الإبستيمولوجيا وبناء على ما تفيد نظرته المتميزة والشاملة لمناقشة مختلف المواضيع المتعلقة بالعلوم الإنسانية، تجعله على رأس النظريات العلمية التي يحتاجها بالفعل القانون الجنائي المغربي الذي ظل لسنوات طويلة يحير مختلف المختصين في الكشف عن انتمائه الأكاديمي بسبب اقتباسه لمجموعة من النظريات والأحكام الخاصة ببعض المدارس الفقهية القانونية وفي طليعتها مدرسة الفقه الإسلامي ممثلة في المذهب المالكي والمدرسة الجرمانية اللاتينية ممثلة في المدونة الجنائية النابوليونية، وهو ما يجعل بالفعل القانون الجنائي غامضا جدا وغير مفهوم بسبب اختلاف المصادر الرسمية لكل من المدرستين السالفتين الذكر.

المطلب الأول : القراءة الإبستيمولوجية ومساهمتها في تحديد أصول القانون الجنائي المغربي

إن القراءة الإبستمولوجية كما قلنا في مقدمة المبحث أعلاه مسألة في غاية الحساسية لكونها نسقا علميا دالا، له القدرة على كشف الغموض وطرح البديل، أو على الأقل شرح الحقائق التي لا طالما اعتبرها البعض نقط غامضة.  وقراءتنا للمنهج الإبستمولوجي في القانون الجنائي المغربي، له أيضا دلالة خاصة في هدا الإطار، إذ لا يمكن أن نبرح الحديث عن أهمية هده المقاربة الإبستمولوجية من دون الإشارة إلى أن المنهج الإبستمولوجي يعتمد على ميكانيزمات خاصة تميزه عن باقي المناهج العلمية الأخرى المخصصة لدراسة مختلف الظواهر والنوازل المعروضة للبحث والتحليل، وفي حقيقة الأمر يكاد هذا المنهج العلمي الحديث في إطار دراستنا لبنية القانون الجنائي المغربي يجمع بين حقائق علمية عديدة تخص هذا الفرع الأساسي من العلوم القانونية، ذلك أنه باستعمالنا لهدا المنهج يمكننا في هذه الحالة أن نميز بين عصرين مختلفين عصر يعود إلى ما قبل دخول الحماية الفرنسية للمغرب وعصر أخر ينطلق من بعد دخول الحماية للمغرب سنة 1912، على أساس أن في كل عصر قد تم الاعتماد على مصدر معين، ومعنى هدا أن هناك صدرين أساسيين في تطبيق التشريعات القانونية في القانون الجنائي على المستوى الدولي عموما وعلى المستوى الوطني خصوصا، وهما الأحكام الشرعية المنصوص عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية، ثم النصوص القانونية الدولية التي تم المصادقة عليها وتحولت إلى ثوابت قانونية تساهم في تحديد السياسة الجنائية والعقابية، ووضع مجموعة من الحدود التي تؤدي إلى معاقبة المجرمين، وردعهم عن مخالفة القوانين.

إن النظرية الإبستومولوجية عموما تخضع لضوابط فنية وتقنية تكاد تستأثر بها لوحدها عن باقي النظريات والمناهج العلمية الأخرى، فهي  معنية قبل كل شيء بمعرفة بعض التساؤلات المحورية المتعلقة بالشروط الضرورية والكافية التي يمكن الحصول عليها من المعرفة، وما هي مصادرها، وهياكلها، وما هي حدود المعرفة. ومن البديهي أن كل محاولة لتأمل موضوعي شامل لبنية القانون الجنائي المغربي والمسار الذي قطعه بين أزمنة طويلة و متقاطعة في الفكر والمنهج، تعتبر عويصة إن لم نقل مستحيلة من الناحية العلمية بالنظر إلى الصعوبات التي يفرضها المنهج الإبستيمولوجي في دراسة القضايا والملفات الكبرى المخصصة للنقاش والدراسة وتنوير الرأي العام، على أساس أن اختيارنا لعلم الإبستيمولوجيا في هذه المناسبة العلمية المباركة والمخصصة لدراسة بنية أقوى فرع من فروع علم القانون والأكثر شهرة بينها والمتمثل في القانون الجنائي، لم يكن نابع من رغبة ذاتية تتعلق عادة في معالجة إشكال يطرحه محور من محاور القانون الجنائي، بل فرضته وأملته علينا الظرفية التاريخية الخاصة لهدا الفرع الخطير من القانون والكيفية التي ظهر بها في الواقع العملي وبروزه وحضوره بشكل لافت للنظر بين باقي الفروع الأخرى، حتى أضحى يشكل لوحده داخل المنظومة الأكاديمية للعديد من الدول ومن بينها المغرب تخصصا رئيسيا ومحايدا يكاد يستقل عن كل من القسم العام والقسم الخاص في شعبة القانون، ولا يخفي على القارئ الكريم أن القانون الجنائي بالرغم من أقدميته من الناحية التاريخية، وجديته من الناحية السيكولوجية كيفما رأينا في المبحث السابق، إلا أنه لازال يعتبره أغلب أفراد المجتمع المغربي بما في ذلك الدارسين والمتخصصين في هذا الميدان غريبا و غامضا، فالوصف الأول يتعلق بمصدره أي المصدر الأساسي للقانون الجنائي المغربي الذي يستمد منه أحكامه، وثانيا يتعلق بالمسار الذي يتجه فيه بمعنى الطريق الذي يسلكه القانون الجنائي المغربي من أجل ملاءمة الغرض الذي أنشئ لأجله أمام الأزدواجية الحاصلة في بنية الفكر الجنائي.

الفقرة الأولى : جدلية القواعد الفقهية في القانون الجنائي المغربي :

هناك أزمة حقيقية تحوم حول فلسفة القانون الجنائي المغربي وطبيعة القواعد الفقهية التي استمد منها مشروعيته لتكريس مجموع النصوص القانونية التي ينص عليها حاليا داخل مجموعة القانون الجنائي المغربي، حيث أن الظروف الحقيقية للحقبة الهامة التي ظهر فيها القانون الجنائي المغربي والتي جاءت مباشرة بعد استقلال المغرب لم يعرها الفقهاء والمتخصصون في المجال الجنائي ما تستحقه من عناية، فقد ظهرت نصوص القانون الجنائي المغربي بشكل غامض ولازالت كذلك إلى يومنا، بفعل التضارب الحاصل بين مبادئ ظلت راسخة في الفكر الإنساني تناولتها الشريعة الإسلامية مند أمد بعيد جدا، يعرفها المواطن المغربي المسلم إنطلاقا من انصهاره التام في قواعدها الفقهية الوسطية السمحة، وبين مبادئ أخرى حديثة اكتشفها المجتمع المغربي نتيجة للإحتكاكه بالعالم الخارجي الذي مثلته في الحقبة الممتدة على طول سنوات القرن الماضي كل من فرنسا واسبانيا داخل المغرب، مما جعل أكثر الناس يخلطون بين المبادئ الأولى والثانية وخاصة في المجال القانوني الذي أصبح يتطور أكثر فأكثر في ظل فترة الحماية التي عاشها المغرب في نصف قرن من الزمن.

كما أن النقاش العلمي في مادة القانون الجنائي سواء على المستوى الرسمي أو على المستوى الأكاديمي أو حتى الثقافي لم يتطرق أبدا في يوم من الأيام لمحور المصادر الأساسية للقانون الجنائي المغربي، للحسم في الصراع الدائر بين مختلف التيارات العلمية والتي يرى بعضها بأن القانون الجنائي المغربي مصدره هو الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي، وما المستجدات التي طرأت على قواعده ما هي إلا دليلا واضحا على مسايرة القواعد الشرعية للتطورات الحاصلة في بنية المجتمع الإسلامي، وما نتج عنها من اختلافات فقهية وقضائية، والتي برز عنها آليات هامة نذكر منها التعازير الفقهية الممنوحة للقضاة في ظل سلطة الملاءمة وتكييف الوقائع وتطبيق الأحكام، في حين ترى الجهة المقابلة لهذا الرأي أن المصدر الحقيقي للقانون الجنائي المغربي هو الفكر اللاتيني الجرماني ذو الأصول الأوروبية، أي أنه مستمد من المدرسة اللاتينية الجرمانية.وخاصة مدونة نابوليون.

الفقرة الثانية : دراسة بنية القانون الجنائي المغربي

من الواضح جدا عند تفحص أبواب القانون الجنائي المغربي أو بالأحرى مجموعة القانون الجنائي المغربي سنجد أن أغلب النصوص الموجودة على مستوى هذه الأبواب تدرجت وفق ما يسمى بالتسلسل الجنائي لمختلف الجرائم وطبيعة العقوبات المقررة لها، وهذا الأمر يعد مثاليا بالنسبة للمتخصصين الجنائيين وكافة المهن القضائية والقانونية المرتبطة به، حيث يسهل على كل هؤلاء ومعهم أيضا شرائح أخرى عديدة من شرائح المجتمع، تصفحه وفهمه واستخلاص الآثار القانونية التي يرتبها، ومع دلك يعتبر غامضا وغير مفهوم  خاصة إذا تحدثنا عن مصادره الرسمية التي اشتقت منه مختلف أحكامه العامة والخاصة، ولا يغيب علينا في هذا الإطار أن مجمل القوانين المغربية التي نراها الآن في شكل نصوص قوانين خاصة أو مدونات، انشقت من مصادر معينة تتدرج حسب رأي الفقه القانوني إلى مراتب نذكر منها الشريعة والعرف والاتفاقيات الدولية…

كما أن لها أعمال تحضيرية خاصة بها تعكس من خلالها أهم الظروف المادية والموضوعية التي مرت بها القوانين مند نشأتها إلى غاية نشرها بالجريد الرسمية. ذلك أن القضايا التي تحتاج إلى تدقيق أكبر في هذا الإطار هي مسألة تحديد المصادر التي اشتقت منها الوثيقة القانونية لمختلف القوانين التي نراها اليوم تحتل مكانة بارزة في المجتمع وتؤطر مختلف المجالات الحيوية للدول وفي طليعتها القانون الجنائي، ونخص بالذكر القانون الجنائي المغربي حيث لا يوجد أصلا نص تشريعي عام في المغرب يحدد مصادر القاعدة القانونية، باستثناء ما يتصل ببعض النصوص الخاصة كالقانون التجاري و مدونة الأسرة ومدونة الحقوق العينية.

ولئن كان القانون الجنائي يشكل أحد الأعمدة الأساسية لقيام فكرة القانون وسموها بين فئات المجتمع، فإنه من الطبيعي أن تلحقه تغييرات فلسفية تعمل على تطـوير مفهـومه من وقت للأخر تبعـا لتطـور مفهـوم العلوم الفرعية التابعة له كعلـم الإجـرام مثلا وما نتج عنه من مدارس عديدة ونظريات مختلفة، ولمـا رسـت نظريـات علـم الإجـرام علـى النظريـات الاجتماعيـة المعاصـرة، ولما رسـى أيضا مفهـوم السياسـة الجنائيـة علـى أنهـا التنظـيم العقلانـي لـرد الفعـل الاجتمـاعي ضـد الجريمـة فـي مجتمـع معـين و فـي وقـت معـين، ” فتحــدد السياســة الجنائيــة المصــالح الاجتماعيــة الجــديرة بالحمايــة مــع بيــان العقوبــات الأكثــر ملاءمة للجرائم المرتكبة.”

المطلب الثاني: ازدواجية الفكر الجنائي

تقتضي طبيعة الدراسة وخصوصية الموضوع المطروح للتحليل والنقاش اعتمادا على منهج التحليل الإبستيمولوجي الذي اخترناه لكشف الحقائق الغائبة ومد جسر فكري يربط بين الماضي والحاضر، الوقوف على ما تم التوصل إليه في ظل المطلب السالف الذكر، والذي قلنا من خلاله على أن الفكر الجنائي المغربي وما يحمله من قواعد تجريمية وعقابية اختلف وتغير بين عصرين مختلفين لكل منهما مصدر معين في صياغة القواعد الجنائية وتطبيقها على مستوى الواقع أمام الجهة المختصة بتطبيق القانون الجنائي، ولعل أهم ما يمكن الحديث عنه في هذا الإطار هو أن الحقبة التي سبقت فترة الحماية بالمغرب، كانت بمثابة نقطة هامة في التاريخ الجنائي المغربي، حيث كانت أغلب الأحكام القضائية الجنائية الصادرة في حق المذنبين من عامة الناس داخل إقليم الدولة المغربية، تعتمد بالأساس على ما هو معمول به في المنظومة الجنائية أنداك، حيث كانت أحكام الشريعة الإسلامية هي المطبقة أن ذاك في جل المناطق والأمصار التابعة للسلطة المغربية، بالإضافة إلى قواعد الفقه المالكي المطبقة في بعض الجرائم الحديثة أنداك، أما الحقبة الثانية والمتمثلة في حقبة الحماية فقد تناولت أحكاما أخرى غير تلك التي كانت تطبق في الحقبة الأولى، أي أن هناك تحول كبير إن لم نقل جدري في منظومة القانون الجنائي المغربي، و هذا راجع بالأساس إلى الدور الأجنبي الذي لعبته فرنسا ومعها اسبانيا منذ دخولهما إلى المغرب، غير أن هذا التحول الخطير لم يدركه المغاربة أنذاك بفعل الضغط الذي كانت تمارسه فرنسا في كل مناطق المغرب بإستثناء منطقة الشمال ومنطقة الجنوب اللتان كانتا تتواجدان تحت سيطرة وضغط اسبانيا، كما أن ظهور مؤسسات قضائية في حلة جديدة تناسب ثقافة المستعمر في تشخيص قانونه الجنائي بأرض المغرب، سهلت الأمر للإحتضان قواعد جديدة خاصة بالفكر الجنائي المغربي، خاصة وأن الأجانب أصبح لهم دور أساسي في تسيير العديد من المرافق الهامة بالمغرب نذكر من أهمها قطاع العدالة، من خلال فرض سياسة جنائية جديدة و إجراءات مسطرية حديثة لم يكن للمغاربة عهد بها سابقا إلا بعد فرض الحماية على المغرب من قبل فرنسا واسبانيا.

الفقرة الأولى : المذهب المالكي وعلاقته بالقانون الجنائي المغربي :

تعتبر الشريعة الإسلامية ومعها الفقه الإسلامي-المالكي- من أهم المصادر القانونية للقانون الجنائي المغربي قبل فترة الحماية، ومن المعلوم أننا حينما نتحدث عن القانون الجنائي المغربي في هذا الإطار، فإننا بطبيعة الحال نحصر هذا القانون في القواعد الشرعية المعمول بها في التنصيص على الجرائم وما يلزمها من عقوبات حددها الشارع الإسلامي حصرا في نصوص القرأن الكريم والسنة النبوية، مع تركه مجالا واسعا في إطار السلطة التقديرية الممنوحة للأولي الأمر والقضاة(التعازير) في تحديد العقوبات المناسبة لبعض الجرائم فقط، التي يمكن القول عنها أنها أقل حدة من تلك التي حددت بموجب نص شرعي كما هو الحال بالنسبة للجرائم التقليدية كالقتل والسرقة والزنا وشرب الخمر…،أو أنها ظهرت كجرائم جديدة بفعل توسع رقعة الإسلام واحتضانها  للأقوام وقبائل متعددة ساهمت إلى حد ما في ظهور أنماط جديدة من الأفعال والأقوال، التي تدخل الفقه الإسلامي فيما بعد لتكييف منزلتها داخل بيت المسلمين.

والقانون الجنائي المغربي على غرار الكثير من القوانين الجنائية للعديد من البلدان العربية الإسلامية تأثر هو الأخر بقواعد الشريعة الإسلامية مند أن وطأ الإسلام أرض المغرب أي ما يقارب ثلاثة عشر قرنا من الزمن، تعاقبت على إثرها العديد من الحضارات الإسلامية الهامة في تاريخ المغرب، وعلى ما يبدو أن المغرب وبفضل اعتماده على المذهب المالكي أي مذهب الإمام مالك إمام المدينة المنورة، ساهم إلى حد ما  في تطور القانون الجنائي المغربي من خلال بوابة الفقه والاجتهادات التي يراها في كل لحظة وحين، حيث أصبح الفقهاء المغاربة يجتهدون في بعض الجرائم المستحدثة تبعا للخطورة التي تشكلها على المجتمع المغربي مع ترك أمر العقاب إلى الحاكم أو ما ينوب عنه من القضاة الشهود لهم بالحنكة والاستقامة، أو في بعض الأحيان إلى القائد وخاصة إن تعلق الأمر بأمن الدولة أو القبيلة، وهكذا فقد وضعت الشريعة الإسلامية من خلال بوابة الفقه الإسلامي كما قلنا منهجا معينا في التشريع الجنائي وذلك بمحافظتها على الأصول الكلية الخمسة والتي اعتبرتها مقصدا من مقاصدها وهي الدين والنفس والنسل والعقل والمال فسنت لذلك جرائم وحدود وأوجبت قصاصا للحفاظ على تلك المقاصد.

ومن المعلوم أن التشريع الجنائي الإسلامي استنادا إلى منطوق الأدلة الشرعية من كتاب الله عزوجل أي القران الكريم والسنة النبوية الشريفة، لا يرفض ولا يأبى أبدا الإستفادة من ثمرات الجهود العلمية طالما كانت متفقة مع أحكامه وتؤدي غرضا معينا، بدون تناقض أو تعارض بطبيعة الحال، وهدا ما سار وتعاقب عليه فقهاء المذهب المالكي بالمغرب منذ أن أصبح هذا الأخير رقعة جغرافية هامة من دار الإسلام[20]، إذ أصبح المنهج الرئيسي للفكر الجنائي بالمغرب يطبق بما جرت عليه القواعد الأصولية والفقهية المنصوص عليها في المراجع الأساسية للفقه الإسلامي عامة والفقه المالكي خاصة (القرأن والسنة)،  كما أن مجال التعزير في أحكام الشريعة الإسلامية الغراء مجال خصب يسمح للجهة المعنية بالأمر أي القضاء بإعتباره صاحب الولاية في هذا الإطار أن يستفيد إلى أبعد حد من تلك الثمرات في تشريع بعض الأحكام وتطبيقها، فيما يحتاج إليه المجتمع المغربي باعتباره مجتمعا إسلاميا توالت على أرضه أقوى الحضارات الإسلامية منذ فجر الإسلام وإلى يومنا هذا.

 الفقرة الثانية : أثر المدرسة الجرمانية اللاتينية في القانون الجنائي المغربي

في الواقع لا يستقيم المقام حينما نقيس حجية وقطعية القواعد الفقهية المالكية المقتبسة من الشريعة الإسلامية بوصفها قواعد طبيعية متصلة بالدين اٌلإسلامي الحنيف، بنظيرتها الموضوعية التي تم اقتباسهما من مدارس وضعية صرفة-بوصفها عمل إنساني- كما هو الشأن بالنسبة للمدرسة اللاتينية الجرمانية، ذلك أن الفئة الأولى من القواعد تتميز بالكمال والسمو والعموم، صالحة للأي زمن ومكان، لا تقبل التجزيء ولا التغيير إلا إ ذا حالت عوارض قوية لا طاقة للإنسان بها، إذ ذاك ينتفي معها التكليف[21]، أما الفئة الثانية من القواعد والمتمثلة في القواعد الموضوعية أي أنها من عمل الإنسان ونتاجه ولا تتصل بقواعد الدين إطلاقا إلا فيما يخص بعض أجزائها، لكونها تنم عن تجربة الإنسان في الحياة والحاجة الملحة إلى التطور من أجل جلب المصالح ودرء المفاسد، إذن فهي قواعد متغيرة وغير مستمرة تتغير بتغير الزمن والمكان، بل إنها قابلة للتغيير في أي لحظة، مما يجعلها تتميز بالقصور والنقص، وهدا ما يجعل القانون الجنائي المغربي محل إشكال وغموض، ولا سيما حينما يشرع القارئ بدراسته وتمحيصه، يراوده إشكال مستمر هل أحكامه مستنبطة من الفقه الإسلامي المالكي أي له صلة بأحكام الدين الإسلامي، أم أن حداثة المجتمع المغربي وانفتاحه على ثقافة العصر جعلت أحكامه قاب قوسين أو أدنى تميل إلى المدرسة اللاتينية الجرمانية؟  في واقع الأمر لا يوجد لدينا سندا تاريخيا لكي نجيب عن هذا السؤال السالف الذكر، والأمارة على ذلك أن العلامة البارزة التي يرافع بها الخطاب الإبستمولوجي في بنية القانون الجنائي المغربي أفرزت اتجاهات مضادة في التنقيب عن أثار المدارس الفقهية ولا سيما المدرسة الجرمانية اللاتينية، ومع دلك فإن المتصفح للقانون الجنائي المغربي لسنة 1962 في جميع أبوابه سيجد أن جل الفصول المنصوص عليها في هذا القانون لا تمت بصلة إلى أحكام الشريعة الإسلامية، ولكن قد يقال عنها أنها نتاج قواعد فقهية صرفة أنتجها الفقه الإسلامي بإعتبار أن المغرب دولة ذات مرجعية إسلامية يساهم فقهاؤها في بلورة العديد من الأراء الفقهية في كل مناسبة تحتاج فيها إلى إبداء الرأي الصحيح، ومع ذلك فإن هذا القول لا نقبل صحته حتى ولو كان جزء منه صحيح، على إعتبار أن القانون الجنائي المغربي لسنة  1962 إعتمد بشكل كبير على قواعد المدرسة اللاتينية في صياغة أغلب نصوصه القانونية وتحديدا قانون العقوبات الفرنسي لسنة 1810، وهذا يظهر جليا من حيث الشكل والموضوع، فمن الناحية الشكلية القانون الجنائي المغربي هو أقرب إلى قانون العقوبات الفرنسي في مجموع أبوابه التي تمت صياغتها بنفس الشكل مع إختلاف جزئي في بعض الحيثيات المتعلقة بنوع الجريمة ودرجة العقوبة، إعتمادا على خصوصية المجتمعات والإختلاف الحاصل بينها في الفكر والمنهج، أما من الناحية الموضوعية فقد إعتم القانون الجنائي المغربي لسنة 1962 بنفس القواعد التي استعملها قانون العقوبات الفرنسي في التجريم والعقاب من خلال الفلسفة المعتمدة في ديباجة كل منهما، فضلا عن أن الحقبة التي ظهر فيها القانون الجنائي المغربي في صورته الحالية، كانت نصوصه تصاغ باللغة الفرنسية ثم تترجم إلى اللغة العربية، مما يدل على أن القانون الجنائي المغربي هو امتداد للفكر الصادر عن المدرسة الجرمانية اللاتينية شكلا ومضمونا، أوكما يقول أستاذنا محمد الشافعي في تعليقه على القانون الجنائي المغربي (القانون الجنائي المغربي نشأ وترعرع بالمغرب لكن جذوره بأوربا)[22].

خاتمة  :

من المؤثر جدا أن يغيب عن المتخصص في القانون الجنائي المغربي مصادره الرسمية من أجل وضعه في سياقه العام ومعرفة من أين اقتبسنا مجمل قواعده القانونية، لكنه من المفيد جدا البحث عن هده المصادر بشتى المناهج والعلوم الأخرى للوصول إلى حقائق معينة طالما غابت عن المشهد القانوني الرسمي أو الأكاديمي، ومن هنا كانت أهمية هده الدراسة التي تجمع في اسلوب تحليلي مقارن سيكولوجي وإبستيمولوجي يتناول الأحكام الأساسية للقانون الجنائي المغربي في إطار الشريعة الإسلامية السمحة وخاصة الفقه المالكي في حقبة ما قبل الحماية، ثم الإنفتاح فيما بعد بحكم عامل الحماية المفروضة على المغرب سنة 1912 ،على قواعد المدرسة الجرمانية اللاتينية بإعتبارها محطة بارزة لتضافر الجهود التي بدلت على المستوى العالمي طبقا للنزعة الفلسفية التي إجتاحت أوربا ما بعد عصر النهضة وامتدت أثارها إلى أن بلغت المغرب وأصبحت جزء من منظومته التشريعية ولا سيما التشريع الجنائي.

الهوامش

[1]  علم السيكولوجيا هو العلم الذي يهتم بدارسة الوظائف العقلية والسلوك لدى الإنسان، فمن خلال هدا العلم  يقوم علماء النفس (السيكولوجيين) بدراسة شخصية الإنسان انطلاقا من جوانب حسية كالعاطفة والسلوك و الإدراك ، والتي نجد صداها على مستوى العلاقات الرابطة  بين الأشخاص أو بين الأشخاص وبعض المعتقدات والأفكار الحسية  .. إلخ .

[2]  علم الإبستيمولوجيا أو نظرية الإبستيمولوجية كما يطلق عليها أيضا نظرية المعرفة وهي دراسة شاملة لطبيعة المعرفة المراد معالجتها وفق ترتيبات معينة يحددها المنهج العلمي المستعمل قصد تفصيلها وشرحها وتبريرها، فهي إذن مجال شاسع لعقلانية الاعتقاد في موضوع ما من خلال استعمال جميع المناهج المتاحة للوصول إلى نتيجة حتمية أو مؤقتة.

[3]  بالرغم من أن مصطلح النظام العام يصعب تعريفه وتحديده، إلا أنه وبمناسبة احتكاكه مع القانون الجنائي باعتباره مجموعة من القواعد القانونية الآمرة، يمكن القول أن النظام العام يقصد به مجموعة القوانين السائدة في دولة معينة وفي وقت واحد، والقانون الجنائي جزء من هذا النظام العام وأكثرها تداخلا معه.

[4] تعــرف القاعــدة عنــد علمــاء الأصــول بأنهــا:”حكــم أغلبــي أكثــري لا كلــي ” ينطبــق علــى معظــم جزئياته لمعرفة أحكامها وهي تختلف عـن الضـابط الفقهـي وعـن النظريـات الفقهية، فهـي حكـم عـام تنـدرج تحتـه فـروع متنـاثرة فـي أبـواب الفقـه، و تصـاغ القاعـدة بعبـارة مـوجزة تتسـع لتشـمل  وتستوعب مفردات كثيرة و أحكاما جزئية متفرقة.

[5]  مبدئيا يمكن القول أن قانون العقوبات الفرنسي لسنة 1810 كما وقع تعديله يعد المصدر الرئيسي لهذه المجموعة لكنها أخذت ببعض التطورات الفكرية التي تضمنتها تشريعات حديثة كأخذها بتدابير وقائية كجزاء جنائي ومسؤولية الشخص المعنوي جنائيا.

[6] قامت سلطات الحماية الفرنسية بتطبيق القانون الجنائي الفرنسي في المحاكم العصرية بمختلف مناطق المغرب الخاضعة للحماية الفرنسية،وفي المقابل قامت سلطات الحماية الإسبانية بتطبيق قانون العقوبات الإسباني في منطقة الشمال المغربي، كما ظهر بطنجة باعتبارها مدينة دولية تطبيق قانون عقوبات خاص بها.

[7]  لم تكن سنة 1962 هي السنة الأولى التي ظهرت فيها مجموعة القانون الجنائي بل سبق أن ظهرت مجموعة من الظهائر الشريفة بشكل متقطع تخص جرائم معينة، وفي سنة 1953 صدر أول قانون جنائي مغربي ليطبق بمنطقة الحماية الفرنسية.

[8]  ينتشر مصطلح القانون الجنائي بشكل خاطئ في أوساط الساحة العلمية المتعلقة بالدراسات الجنائية للتعريف بالظهير الشريف رقم 413-59-1 بتاريخ 28 جمادى الثانية 1382 الموافق ل 26 نونبر 1962 الذي أصدرته وزارة العدل سنة 1962 والمخصص لمختلف الجرائم والعقوبات التي تناولها المشرع المغربي ضمنه في شكل أبواب متعددة محصورة في ثلاثة أبواب، والحال أن هدا الوصف خاطئ لكون أن هدا الظهير أطلق عليه مند صياغته بمجموعة القانون الجنائي تمييزا له عن باقي المصطلحات المشابهة له من قبيل القانون الجنائي بكونه المحور العام لجميع المجزوءات الجنائية كقوانين وعلوم، فضلا عن القانون الجنائي العام والقانون الجنائي الخاص بإعتبارهما مادتين تتقاطع أحكامهما في هدا الظهير المتعلق بمجموعة القانون الجنائي.

[9]  يعتمد المنهج السيكولوجي الذي وظفناه في هده الدراسة على العديد من النظريات الافتراضية التي يتم طرحها سلفا قبل بداية الدراسة والبحث، وتشكل هذه الفرضيات العمود الفقري للدراسة السيكولوجية برمتها، وتسير وفق برنامج دراسي دقيق ومتين يقوم على طرح مجموعة من الأفكار المسبقة ثم التأكد من صحتها في صلب التحليل فيما بعد، ولا تصبح نهائية إلا بعد التأشير عليها من لدن المفكرين الباحثين السيكولوجيين المشهود لهم بالكفاءة والخبرة في هدا المجال، ولعل هدا المنهج هو أقرب للفلسفة من علم القانون.

[10] من المعلوم أن علم النفس الجنائي هو علم يهتم بدراسة أفكار و نوايا وردود أفعال المجرمين التي تلعب دورا في ارتكاب الجريمة، لكن هذا التعريف بالرغم من تداوله على أغلب صفحات البحوث والدراسات المتعلقة بالميدان الجنائي، يضل في نظرنا ناقصا من الحمولة الفكرية التي يحملها كعلم شامل يهتم ليس فقط بالجانب السيكولوجي للمجرمين بل يشمل أيضا سيكولوجية كافة الأشخاص المخاطبين بأحكام القانون الجنائي، وهنا يمكن القول أن علم النفس الجنائي هو فرع من الفروع التطبيقية لعلم النفس العام وعلم القانون الجنائي، يهدف إلى إسقاط القوانين والمبادئ النفسية على النظام القانوني المعمول به، والذي يتضمن الجانب الجنائي والإجرامي، كتحديد علاقة الأشخاص عموما بالقواعد الجنائية المطبقة في إقليمهم الدي ينمون إلبه،وكذلك التصنيف الخاص بالمجرمين على وجه الخصوص حسب خصائصهم النفسية،والاجتماعية، لتقديم المساعدة في معرفة وفهم الدوافع المختلفة التي تؤدي إلى ظهور السلوك المنحرف والإجرامي.

[11] البيولوجيا هو علم الأحياء. وهو مكون من كلمتين إغريقيتين هما (bio) وتعني حياة و(logos) وتعني دراسة. يدرس البيولوجيون تركيب الكائنات الحية ووظيفتها، ونموها، ومنشأها، وتطورها، وتوزعها. ولدلك نجد كل العلوم الحديثة تنصب في دراستها على عدة محاور من علم البيولوجيا بسبب توفرها على نظريات هامة جدا لكل الدراسات والأبحاث مهما اختلفت طبيعتها. للتعمق أكثر أنظر : علم الأحياء البيولوجيا على الرابط : ibelieveinsci.com/?p=61010 تم الإطلاع عليه في 04/09/2019.

[12]  يستعرض علم النفس الجنائي في سياقه العادي صورا خاصة تجمع بين مكونات ثلاث، إذ تضم كل من الجريمة والمجرم والعقاب، دلك أن هدا الشكل الثلاثي عادة هو الذي يؤسس من خلاله علماء النفس الجنائيين فرضياتهم وأبحاثهم التجريبية لتجيب عن مجموعة من الإشكالات المطروحة على أرض الواقع، خاصة وأن الجريمة في سياق علم النفس الجنائي تعتبر هي الأساس الذي نقيس عليه شخصية المجرم وحجم الجريمة ودرجة العقاب، كما أنها أصبحت في وقتنا الراهن تعد من الظواهر الاجتماعية العادية داخل المجتمع بفعل تكتل مجموعة من المعطيات السلبية كالفقر والجهل…الخ، غير أن هذه الأمور لا نقيس بها موضوع بحثنا هدا الموضوع للدراسة والمتمثل في دراسة علم النفس الجنائي من زاوية أنه قانون ينطوي على مجموعة هامة من  القواعد  الزجرية التي يمكن للأي شخص استشعارها قبل الوقوع في المحظور أو فيما يسمى في فخ الهرم الثلاثي السالف الذكر، أي قبل ارتكاب الجريمة وقبل الوقوع في خانة الإجرام ليصبح مجرما، وأيضا قبل نيل العقاب، ومن ثم فإن دراسة علم النفس الجنائي للقانون الجنائي كقانون(بنية قانونية) أي كمكون مادي له دلالته، ينطلق من فرضية علاقة القانون الجنائي بالأشخاص قبل ارتكابهم للأي أمر مخالف يدخل في صميم القانون الجنائي ، بمعنى حجية نصوص القانون الجنائي وآثرها على نفسية الأشخاص وانطباعاتهم في حالاتهم العادية.

[13]  عرف القرن الماضي موجة هامة من الفلاسفة وعلماء النفس الدين تخصصوا في علم النفس وألفوا العديد من الأبحاث الدراسات والمقالات، نذكر منهم العالم النمساوي sigmund freud والعالم الروسي ivan pavlov والعالم الأمريكي gordon willard allport، وأخرون…، وقد تميزت هذه الحقبة بالفعل بظهور نظريات جديدة تخص علم النفس.وقد استفاد كثيرا منها علم النفس الجنائي.

[14]  يدرس علم الأنثروبولوجيا الجنائي أو ما يعرف في الوقت الراهن بالطب الشرعي الخصائص البدنية والعقلية للمجرمين ، وكذلك العوامل الاجتماعية والبيئية التي يمكن أن تؤثر على سلوكهم الإجرامي، ويعد العالم سيزار لومبروزو من مؤسسي علم الأنتربولوجيا الجنائية في العصر الحديث، وقد عمل سيزار لومبروزو الذي يعتبر أيضا أحد رواد المدرسة الوضعية الإيطالية، طبيبا في الجيش الإيطالي، ثم بالمستشفيات العقلية، فاستادا للطب العقلي والشرعي بجامعة تورينوturino ، واستحق أن يعين سنة 1906 أستاذا للأنتربولوجيا(الطب الشرعي). للمزيد من المعلومات أنظر موقع : https://fr.wikipedia.org/wiki/Cesare_Lombroso تم الإطلاع عليه يوم 01/09/2019.

[15]  ينص الفصل 15 من مجموعة القانون الجنائي على أن العقوبات الأصلية إما جنائية أو جنحية أو ضبطية.
وينص الفصل 16كدلك على العقوبات الجنائية الأصلية هي:
1 – الإعدام؛
2 – السجن المؤبد
3 – السجن المؤقت من خمس سنوات إلى ثلاثين سنة
4 – الإقامة الإجبارية
5 – التجريد من الحقوق الوطنية
كما ينص الفصل 17 على أن

العقوبات الجنحية الأصلية هي:
1 – الحبس
2 – الغرامة التي تتجاوز 1200 درهم
وأقل مدة الحبس شهر وأقصاها خمس سنوات باستثناء حالات العود أو غيرها التي يحدد فيها القانون مددا أخرى.

أما الفصل 18 فقد نص نوع ثاني من العقوبات الأصلية وهي العقوبات الضبطية الأصلية:
1 – الاعتقال لمدة تقل عن شهر؛
2- الغرامة من 30 درهم إلى 1200 درهم

[16]  الفصل 36 من مجموعة القانون الجنائي
تمم بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.03.207 صادر في 16 من رمضان 1424 (11 نوفمبر 2003) بتنفيذ القانون رقم 24.03 – المادة الثانية
العقوبات الإضافية هي:
1 – الحجر القانوني
2 – التجريد من الحقوق الوطنية
3 – الحرمان المؤقت من ممارسة بعض الحقوق الوطنية أو المدنية أو العائلية
4 – الحرمان النهائي أو المؤقت من الحق في المعاشات التي تصرفها الدولة والمؤسسات العمومية
5 – المصادرة الجزئية للأشياء المملوكة للمحكوم عليه، بصرف النظر عن المصادرة المقررة كتدبير وقائي في الفصل 89
6 – حل الشخص المعنوي
7 – نشر الحكم الصادر بالإدانة

 [17]   ينص الفصل 61 من مجموعة القانون الجنائي على أن التدابير الوقائية الشخصية هي :

–    الإقصاء

–   الإجبار على الإقامة بمكان معين

–   المنع من الإقامة

–  الإيداع القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية

–  ا لوضع القضائي داخل مؤسسة للعلاج

–   الوضع القضائي في مؤسسة فلاحية

–   عدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو الخدمات العمومية

–  المنع من مزاولة مهنة أو نشاط أو فن سواء كان ذلك خاضعا لترخيص إداري أم لا

–   سقوط الحق في الولاية الشرعية على الأبناء.

أما الفصل 62 فقد تناول التدابير الوقائية العينية هي :

– مصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة أو الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظور امتلاكها

-إغلاق المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة.

[18] بمعنى أن العقوبة تسري في حق المذنب مرتكب الجريمة ولا تمس أشخاصا آخرين من أسرته أو عائلته أو أقربائه.

[19]  هو مصطلح استخدم لأول مرة من قبل الفيلسوف الاسكتلندي جيمس فريدريك فيرير James Frederick Ferrier لوصف فرع من فروع الفلسفة المَعنية بِطبيعيةِ ، ونِطاقِ المعرفة، وتفسيرها بإيجاز، وكيفية الحصول عليها، وما هي الصلة بينها وبين الحقائق الموجودة من حولها.وكما ركّز الفيلسوف فيرير على التَّحليل الفَلسفي لِطبيعة المعرفة، ومدى ارتباطها بِمختلف المفاهيم، مثل: الحقيقة، والاعتقاد، والتَّبرير، وكانت أول مرّة أُدخل فيها تعبير الإبستمولوجيا في عام ألفٍ وثمانمائة وأربعةٍ وخمسين، في معاهد الفيلسوف فيرير، وكلمة الإبستومولوجيا مشتقةٌ من نظريةِ المعرفة، أي من الإبستميو اليونانية والتي تعني المعرفة، وقد صيغتْ هذه النَّظرية على غِرار الانطولوجيا (علم الوجود) للتعمق أكثر أنظر علم الإبستمولوجيا على الرابط:

موضوع.كوم:: https://mawdoo3.com/ تم الإطلاع عليه في 28/8/2019

[20]  مصطلح تاريخي يستعمل للتفرقة بين الدول التي اعتنقت الإسلام وطبقة أحكام الشريعة الإسلامية بغبرها من الدول التي لم تعتنقه ولا تطبق أحكام الشريعة الإسلامية.

[21]  يعتبر التكليف في الشرع أو ما يقابله في القانون بالمسؤولية، الحلقة الأبرز في تحمل الالتزامات والواجبات وما ينتج عنهما من تبعات خاصة سواء أكانت شرعية أو قانونية. وبما أن المسؤولية من زاوية الدراسات القانونية تنتفي أو تنقص أو تنعدم بالنظر إلى سن الشخص وحالته البدنية والذهنية، فإن نفس الأمر نجده في سياق الحديث عن التكليف من زاوية الشرع الإسلامي، ذلك أن التكليف ينقص هو الأخر وينتفي وينعدم بوجود العناصر السالفة الذكر، ومعنى هذا أن الإنسان يختلف من شخص للأخر تبعا للإختلاف الحاصل على مستوى السن والقدرة في التفكير والإدراك والتمييز وتحمل الأداء .

[22]  محمد الشافعي : الجذور التاريخية للقانون الجنائي المغربي، درس إفتتاحي لفائدة الفوج الأول من طلبة ماستر السياسة الجنائية والعدالة الإجرائية،يوم السبت 19 أكتوبر2019 بقاعة الندوات بكلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية مراكش، جامعة القاضي عياض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى